أشعر منذ فترة، وأنا أتابع أخبار الجرائم في صفحات الحوادث التي تنتشر في الصحف المحلية بشيء من القلق، وذلك لأن هناك حالة من التزايد والتوسع في مستوى الجريمة المحلية، وحالة أيضاً من التغير المهم قد حدثت في المجتمع الإماراتي، وفي نوع الجريمة أو شكلها أو بشاعتها، لكن الأخطر أن تصل إلى خلية المجتمع الأولى، وأساس تكونه وترابطه وبنائه، وهي (الأسرة الإماراتية)، وهي أخطر ما أبتلي بها مجتمعنا في السنوات الأخيرة انتشار الجرائم العائلية التي أصابت الأسرة الإماراتية في الصميم أهمها (تبادل القتل بين الأزواج - الجرائم التي ترتكب نتيجة تناول الخمور - بعض حالات الانتحار - العنف المبالغ فيه في الأسرة الواحدة - الجرائم الناتجة عن إدمان المخدرات) هذه الأسرة كانت في الماضي لا تعرف سوى الاستقامة والمودة والتراحم والتعاطف والعيش في هدوء نفسي. ووجود جرائم من هذا النوع في حد ذاته مقلق ومؤثر على مستقبل التنمية في المجتمع، والذي يتطلب من مراكز الأبحاث في الدولة والمؤسسات المختصة بدراسته دراسة دقيقة لمعرفة الأسباب، وأيضاً أن تقوم جامعاتنا بدورها في هذا المجال، وذلك بإجراء الأبحاث المسحية للتعرف على إشكالية هذه الزيادة في مستوى الجريمة وتوعيتها، على أن يتم الاستعانة في ذلك بمختصين في علم الجريمة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والعلوم الدينية، خاصة وأنه تبين لي أن تلك الجرائم التي ترتكب بمختلف أشكالها وأنواعها وبشاعتها ليست مجرد خبر منشور في صفحة الحوادث بالصحف اليومية، بل إنها تعني في حقيقتها ومعناها الكثير من المؤشرات التي تدل دلالة واضحة على أن هناك حالة من الخلل العميق قد أصاب المجتمع، وأيضاً قدر من العنف والقسوة قد أخذ يتسلل إليه. ومن هنا كان لا بد من أن تدق جرس الخطر لأن الجريمة في الإمارات لم تكن بهذا الحجم والنوع الذي هي عليه الآن، ولم تكن خطراً على المجتمع والأسرة الإماراتية كما هو حاصل الآن، حيث أصبح لدينا جرائم أسرية وجرائم بشعة، ولم تعد مثل هذه الظاهرة قاصرة على فئة بعينها أو جنسية بعينها، أو على محيط اجتماعي دون غيره، فقد انتشرت بين فئات المجتمع بمختلف أنواعه وجنسياته وطبقاته، وصاحبها الكثير من المتغيرات والأبعاد العميقة والمؤثرة، ويرجع البعض الأسباب إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومتغيراتها شديدة الحدة، والتي انعكست آثارها بشدة على المجتمع، وأثرت فيه، وبالأخص روح الانتهازية لدى البعض، وضعف القيم الاجتماعية في المجتمع، ويرجع البعض الآخر إلى مسألة الابتعاد عن التحلي بقيم الدين الفاصلة وسماحته. ويرى الفريق الثالث أنها تكمن في العامل النفسي، وعلى الأخص الاضطرابات النفسية التي تصيب المجتمع وتخلق فيه حالة من القلق، ناهيك عن تكالب البعض على الحياة بطريقة جنونية. ويرى الفريق الرابع أنها محصلة طبيعية لتمازج المجتمع واختلاطه بالعديد من الثقافات الوافدة، وتمازج هذا الاختلاط بنمط الحياة السريع، والتي جعلت بعض فئات المجتمع يصبح مثل القنبلة الموقوتة القابلة لارتكاب الجريمة في أي لحظة. ظاهرة الجريمة خطر يواجه الوطن والمواطن وخطط التنمية في المجتمع، ولا يجب أن تتوقف عند بعض محاولات تبرير مثل هذا الجنون المتسارع نحو ارتكاب الجريمة على أنه لا يوجد مجتمع دون جريمة، وأنه من الطبيعي أن تحدث الجرائم في أي مجتمع باعتبار أن الجريمة هي جزء طبيعي من تاريخ المجتمع، فلا بد أن تفهم طبيعة الجريمة وأبعادها المتزايدة، وأن ترسم معالم الطريق المؤدي لعلاجها، وألا نغفل الجانب الاجتماعي والتفاني والاقتصادي والأخلاقي لضمان نجاح خططنا التنموية.