هل تذكّرك عبارة «متهورة للغاية» بشيء؟ جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، قال تلك الكلمات المنتقدة اللاذعة في حق هيلاري كلينتون في يوليو الماضي، بعد وقت قصير على الإعلان عن أن تحقيق الـ«إف بي آي» الطويل في تعاطيها مع المعلومات السرية لم يسفر عما يفيد بوقوع وجود جريمة. واليوم، يمكن القول إن «كومي» يواجه الحُكم نفسه منها – ومن مديريه في وزارة العدل. والواقع أنه من خلال توجيهه سهام الانتقاد تلك إلى كلينتون، أعاد «كومي» على الفور إحياء سمعته وما عرف به من مواجهة الرؤساء، كما أعاد إحياء روح «المدير الأول» للمكتب سيئ السمعة جاي. إدجر هوفر. ولا بد أن هذا الأخير يبتسم الآن من مكان ما، لأن استعمال المعلومات السرية لإيذاء شخصيات عامة كان إحدى هواياته المفضلة. لقد أمضت الولايات المتحدة سنوات طويلة في محاولة الابتعاد عن ظل هوفر الطويل، ولكنه ظل يطول في عصر المراقبة الحكومية الشديدة والدعاية السياسية عديمة الرحمة. وعلى ما يبدو، فإن كومي اختار أن يكون قوة وحيدة في السياسة الأميركية. ذلك أن قراره الخاطئ وغير محسوب العواقب ببعث رسالته إلى المتربّصين بكلينتون في الكونجرس يبدو عملًا من أعمال الحرب السياسية أكثر منه مناورة قانونية. إن مكتب التحقيقات الفيدرالية لديه دور أساسي في الأمن القومي وإنفاذ القانون، ولكنه يمتلك أيضاً قوة كبيرة لتدمير شخص ما وتوجيه ضربات لا يستطيع توجيهها إلا «المكتب». غير أن هذا الأخير لا يستطيع، ولا يجب أن يتحول إلى ما كان عليه في القرن العشرين بعد الحرب الباردة – «كتيبة من الجواسيس الذين يحملون مسدسات» – أو العودة إلى الدور القديم الذي كان يقوم به تحت رئاسة هوفر عندما كان وسيلة من وسائل الحرب السياسية. توماس كين، الرئيس الجمهوري للجنة الحادي عشر من سبتمبر، خلص، قبل أكثر من عقد من الزمن، إلى «أننا لا يمكن أن تبقى لدينا في هذا البلد وكالة استخبارات لديها سجل مثل سجل مكتب التحقيقات الفدرالي. لديكم سجل وكالة فاشلة، وكالة فشلت مراراً وتكراراً». وقد كان هذا أحد الأسباب التي دفعت أوباما لاختيار كومي في 2013 لإدارة المكتب والإشراف عليه تحت حكم القانون. ولكن رغم ذلك التفويض، فإن الـ«إف بي آي» ظل أشبه بجهاز شرطة سرية، ذلك أنه تحت أقل قدر من الإشراف والمراقبة من قبل المشرِّعين، يقوم كومي بإدارة «المكتب» متبعاً القوانين التي قام بوضعها لنفسه. والواقع أن كومي وحده يستطيع أن يشرح لنا لماذا قرر الإعلان عن تحقيقٍ عمره أسابيع في رسائل البريد الإلكتروني لمساعِدة كلينتون، واتضح على الفور أن «كومي» خرق قوانين وزارة العدل من خلال كشفه عن القضية في مراحلها المبكّرة. هذه القضية لا تتعلق بشخصيات. سمعة «كومي» كمستقل في وجه الجهاز التنفيذي بدأت في مواجهة مع الرئيس جورج دبليو. بوش في 2004 على خلفية عمليات التفتيش الواسعة، والسرية وغير المبررة في الغالب، لرسائل البريد الإلكتروني للأميركيين. وعندما اكتشف كومي الأمر، وكان حينها المدعي العام بالنيابة، واجه الرئيسَ، وأعلن البرنامج غير قانوني، وهدّد بالاستقالة إذا لم يتم تغيير ذلك أو إلغاؤه. ثم قال لاحقاً إنه من الصعب على المرء أن يقف على السكة أمام قطار مسرع ويصيح «توقف!». في منصبه كمدير للمكتب، يفترض بـ«كومي» ألا يكون «جمهورياً» ولا «ديمقراطياً»، وإنما يفترض به أن يكون بمثابة التجسيد الحي لتمثال العدالة – يرتدي عصابة على عينيه، ويحمل سيفاً في يد، وميزاناً في اليد الأخرى. ولكن في ضوء تصرفاته الأخيرة، يبدو أن العصابة والسيف لم يلحقهما ضرر، ولكن الميزان يبدو أنه ضاع. تيم وينرنوف* *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»