قبل نحو 27 عاماً، أصيب العالم بالذهول: ففي ليلة التاسع من نوفمبر 1989، خُرق جدار برلين، الذي كان المثال الحي على انقسامات الحرب الباردة. فبعد أن أعلن ضابط من ألمانيا الشرقية بشكل غير واضح أن القيود على السفر ستُرفع، لم يفعل حرس الحدود المرتبكون شيئاً لمنع الألمان الشرقيين الفرحين من العبور إلى الجهة الثانية من الجدار. وبسرعة، غمرت التلفزيونات عبر العالم صورُ الألمان وهم يتقاطرون على الجدار بكثافة، يكسّرون أجزاء منه بالمطارق، ويعانقون الأصدقاء والغرباء على الجانب الآخر على حد سواء. ويومها لم يكن جل الناس يتوقعون حدوث ذلك بمثل هذه السرعة. غير أن الانهيار المفاجئ للكتلة الشيوعية في أوروبا الشرقية، وسقوط الجدار شكّلا ما وُصف على نطاق واسع بأنه قد مثّل محطة تاريخية فاصلة على طريق انتشار القيم الغربية والديمقراطية في العالم. واليوم، نعيش لحظة مفاجئة أخرى بفعل الانتصار المذهل صباح يوم الأربعاء الماضي الذي حققه دونالد ترامب، المرشح الذي استهل حملته الانتخابية بوعد بإنشاء جدار على الحدود مع المكسيك. ولاشك أنه من غير المعروف حتى الآن ما إن كان ترامب سيتمكن من الوفاء بوعده ذلك بتشييد جدار منيع على الحدود بين أميركا والمكسيك. غير أن أكثر من ربع الألفي ميل التي تفصل بين المكسيك والولايات المتحدة يوجد فيه أصلاً جدار منذ بعض الوقت، كلّف دافعي الضرائب الأميركيين 7 مليارات دولار. هذا في حين أن الجدار الإسمنتي، الذي اقترح ترامب بناءه على مسافة ألف ميل، سيخترق أراضي خاصة، ويمكن أن يكلّف 25 مليار دولار، وفق دراسة لصحيفة «واشنطن بوست». والحال أن هذه السنة كانت سنة الجدران بامتياز في الغرب، ما يظهر إلى أي مدى فاقمت العولمةُ والأزمة الاقتصادية مشاعرَ الاستياء والقلق ومعاداة للأجانب في العديد من البلدان من الغربية. فعبر كل أنحاء أوروبا، ظهرت خلال الآونة الأخيرة نقاط تفتيش وأمن حدود جديدة، مثل جدار الأسلاك الشائكة المخيف في المجر، وذلك بسبب المخاوف من الهجرة والإرهاب التي لم تزدها أزمةُ اللاجئين السوريين إلا تأجيجاً. وكذلك في يونيو الماضي، اختار الناخبون في المملكة المتحدة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بدلاً من المجازفة بالإبقاء على حدودهم مفتوحة. كما أخذت شعبية الأحزاب اليمينية تكتسي زخماً متزايداً في فرنسا وألمانيا وبلدان أخرى. بيد أن المبتهجين بوعود ترامب قد يتذكّرون أيضاً رئيساً جمهورياً آخر لم يكن من أنصار الجدران. فقبل عامين من انهيار جدار برلين، وجّه رونالد ريجان نداءه التاريخي للزعيم السوفييتي من بوابة براندنبورج الشهيرة في برلين قائلًا : «سيد غورباتشوف، أزل هذا الجدار!». وخلال حملته للانتخابات الرئاسية في 1980، روّج ريجان لفتح الحدود مع المكسيك في الاتجاهين، وإصدار عدد أكبر من تراخيص العمل للمهاجرين حتى يستطيعوا دفع الضرائب. وقال في إحدى المناظرات في مرحلة الانتخابات التمهيدية: «بدلاً من الحديث عن إقامة جدار، يتعين علينا أن نعترف بالمشاكل المتبادلة». والواقع أن ريجان لم ينجز ذلك المخطط، ولكنه وقّع لاحقاً «قانون إصلاح الهجرة» في 1986، الذي أتاح للمهاجرين غير الشرعيين في البلاد طريقاً للحصول على الجنسية - وهو أمر مختلف كثيراً عن مخطط ترامب الرامي لترحيلهم. ومن جهة ثانية، هناك رسالة أخرى ذات دلالات عميقة في «رواق الجانب الشرقي»، وهو جزء من جدار برلين تم الحفاظ عليه حتى يكون نصباً تذكارياً للحرية، رسالة تبدو صالحة لهذه السنة التي تعرف اضطرابات عالمية شتى، وإنْ لم يكن الأمر على النحو الذي ربما قصده كاتباها وقتئذ، حيث يقول الشعار الشهير الذي رسمه الفنانان «مورييل راوو» و«كاني ألافي» على الرواق في 1990: «إن الكثير من الأشخاص الصغار، الذين يقومون في الكثير من الأماكن الصغيرة بأشياء صغيرة، يستطيعون تغيير وجهة العالم». ------------------ كافيثا سورانا* * محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»