بوصول «الجمهوريين» إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض وفقاً لنتائج انتخابات الثامن من نوفمبر 2016 يكون اليمين في الولايات المتحدة الأميركية قد وصل إلى السلطة السياسية بثقل لم تشهد له البلاد مثيلاً منذ سنوات طويلة، وهو مؤشر على أن تغيرات كبرى ستحدث على صعد السياسات الأميركية في الداخل والخارج. الأوضاع السياسية القادمة في الولايات المتحدة بدءاً من يناير 2017 ستكون مختلفة تماماً عن كل ما شهدناه خلال الثماني سنوات الماضية، حيث سيكون «الجمهوريون» مسيطرين على كل من البيت الأبيض، والكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ، والمحكمة الاتحادية العليا وعلى العديد من المؤسسات المفصلية في المجتمع الأميركي. وبالتأكيد ذلك سينعكس على السياسات المتبعة كافة على الصعيدين الداخلي والخارجي. وما يهمنا في هذا المقال هو الحديث عما قد يحدث على الصعيد الداخلي للولايات المتحدة. على صعد السياسات الداخلية من المحتم أن تتأثر العمالة البسيطة، وتحديداً العاملين في المصانع والقطاع الزراعي من حيث مستوى الأجور وحقوق تكوين الاتحادات والنقابات وعلاقاتهم بأرباب العمل لأن مثل هذه القضايا هي التي تؤثر كثيراً في انتقال العديد من الأعمال إلى خارج البلاد، وهي التي تفتح الأبواب لاستقطاب العمالة الرخيصة من الخارج، لأن أجورها متدنية ومعظمها يدخل إلى البلاد بوسائل غير شرعية من دول أميركا اللاتينية المحاذية جنوباً للولايات المتحدة. إن مثل هذه العمالة هي التي يعتقد اليمين الأميركي بأنها تتسبب في فقدان المواطنين الأميركيين وظائفهم، وفي زيادة معدلات البطالة في الولايات المتحدة. ويرى عدد من المراقبين في الولايات المتحدة بأن تغيرات كبرى ستحدث على صعد كثيرة، فقد يتم شن حرب على معدلات التضخم المالي الحالية وعلى تفاقم معدلات البطالة التي تعتبر ناتجة إلى حد كبير عن الإنفاق الحكومي غير الرصين والعجز الهائل في ميزانية الحكومة الاتحادية. وقد يستمر الدعم الذي تقدمه الحكومة الاتحادية إلى بعض الولايات والمدن الرئيسة كنيويورك، فاليمين يعتقد بأن تقديم مثل هذا الدعم هو خطأ جسيم يجب قطع دابره. وقد تحدث تغيرات على صعيد حمل الأسلحة الفردية بحيث يتم تسهيل مثل هذا الأمر عوضاً عن المحاولات التي بذلت لمنعه، فاليمين يرى بأن حمل الأسلحة الفردية لن يخفض من معدلات الجريمة لكنه سيعاقب المواطنين عن طريق حرمانهم من أمر تعودوه باستمرار. وقد تحدث تغيرات على صعيد الضرائب بحيث يتم تخفيض ضرائب الدخل، وهذا يعني إلغاء العديد من مظاهر دولة الرفاه و«كوبونات» الطعام التي تمنح للعاطلين والفقراء. وقد تحدث تغيرات على صعيد التعليم بحيث تعود العديد من القيم القديمة التي كانت تغذي مصادر الاختلاف بين الأجناس البشرية إلى سابق عهدها. ومن جانب آخر قد تحدث تغيرات على صعيد الاكتفاء الذاتي من مصادر الطاقة، خاصة النفط، لتفادي الاعتماد على المستورد منها، وبالتحديد من العالم العربي. وقد تحدث تغيرات على صعيد نظرة الحكومة الأميركية إلى الأدوار التي تؤديها منظمة الأمم المتحدة بحيث يتم وضع الخيار أمام المنظمة، إما أن تخضع تماماً لمشيئة الحكومة الأميركية عن طريق تنفيذ كل ما تطلبه منها، وإما أن يتم قطع المعونة المقدمة إليها بالكامل. ويعود السبب في هذا الأمر إلى أن اليمين في الولايات المتحدة ينظر إلى الأدوار التي تقوم بها المنظمة على أنها معادية لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة القرارات التي يتم اتخاذها ضد الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. وبالتأكيد فإنه قد تحدث تغيرات كبرى على صعيد ممارسات الولايات المتحدة تجاه الدول المجاورة لها، خاصة المكسيك وبعض دول أميركا الجنوبية الأخرى، فاليمين كان ولا يزال ينادي ببناء جدار عازل على الحدود لمنع تدفق الهجرة غير الشرعية من تلك الدول عبر المكسيك. التغيرات قادمة والعالم ينتظر، وإن غداً لناظره قريب. د.عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي