يؤكد قرار الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، باختيار المدير العام التنفيذي لشركة «إكسون موبيل»، ريكس تيلرسون، وزيراً للخارجية، على أن روسيا سوف تبقى الموضوع الأكثر أهمية في السياسة الخارجية الأميركية خلال المراحل الأولى لإدارته. وكان تيلرسون قد قضى أيام شبابه كلها في الشركة، وعقد خلال خدمته العديد من الاتفاقيات والصفقات المتعلقة بالطاقة في دول متعددة، وتمكن من تأسيس علاقة خاصة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعتبره صديقاً. وهو واحد من القلائل الذين مُنحوا «وسام الصداقة الروسي» الذي يعدّ من أهم المظاهر التكريمية في روسيا. ومن وجهة نظر ترامب وبوتين، يمكن اعتباره الشخص الأكثر جدارة بتطوير العلاقات الأميركية الروسية. ولهذه الأسباب كلها، لقي خبر تعيينه على رأس الدبلوماسية الأميركية ترحيباً قوياً في موسكو. وهنا بالضبط تكمن المشكلة، لأن موقف روسيا من الغرب خلال سنوات حكم أوباما كان عدائياً وأدى إلى فرض عقوبات ضد مؤسسات اقتصادية روسية كبرى على خلفية ضمّ شبه جزيرة القرم في مطلع عام 2014، وبسبب التدخل العسكري الروسي في شرق أوكرانيا. وكان الاكتشاف الذي توصلت إليه وكالة المخابرات المركزية الأميركية من أن روسيا مارست عملية قرصنة إلكترونية على مؤسسات ودوائر سياسية أميركية خلال فترة الحملة الانتخابية الرئاسية، وقامت بتسريب مواد حساسة عن طريق موقع ويكيليكس، بهدف إضعاف الموقف الانتخابي لهيلاري كلينتون، قد سبب ضجّة مدوّية في واشنطن. وأعلن عدد من كبار الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي، بمن فيهم جون ماكين وليندسي جراهام وماركو روبيو، عن عزمهم إعادة تقييم الموقف الروسي وعلاقة تيلرسون مع بوتين، عندما يتم تداول اقتراح تعيين وزير الخارجية الجديد في مجلس الشيوخ والاستماع إلى أقواله. وأكاد أجزم بأن الشيوخ الديمقراطيين الخمسة والأربعين، سوف تكون لهم حججهم القوية، وربما السلبية، ضد تسمية تيلرسون وزيراً للخارجية. وسوف يسعون لاستيضاح أبعاد وخلفيات العلاقات المالية المتشعبة لشركة «إكسون موبيل» في روسيا، وما إذا كان يمكن لها أن تجيب عن الأسئلة الغامضة حول العلاقات المالية الشخصية لدونالد ترامب مع روسيا. والسؤال المهم المطروح الآن هو: هل يمكن للعلاقات المالية الخاصة أن تلعب دوراً مؤثراً على السياسات الأميركية إزاء روسيا؟ لا شك أن الإجابة عن هذا السؤال سوف تمثل المحور الأساسي للنقاش الذي سيشهده مجلس الشيوخ حول تعيين تيلرسون. وثمّة تساؤل آخر يتعلق بمدى كفاءة تيلرسون في إدارة ملفات القضايا السياسية ذات الحساسية البالغة، والمتعلقة بالصين والتحديات العسكرية لكوريا الشمالية والقلق السائد في أوروبا والشرق الأوسط حول طبيعة التوجهات التي ستميز الأجندة الأمنية لترامب. ويكمن أحد الأخبار السعيدة في أن هذا المدير العام التنفيذي لشركة «إكسون موبيل»، والذي يدعى «تيلرسون»، اعترف بأن النشاطات البشرية تلعب دوراً أساسياً وواضحاً في ظاهرة التغير المناخي، وبأن الانبعاثات الكربونية الناتجة عن تلك النشاطات هي أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى تفاقم المشكلة المناخية. ومن ناحية أخرى، يكون علينا أن نتذكر أن سجلّ «إكسون موبيل» البيئي يوحي بأنها كانت من أواخر الشركات النفطية الكبرى التي تؤمن بوجود علاقة ارتباط بين ظاهرة الاحترار الأرضي والنشاطات البشرية. وتكمن التحديات التي يواجهها ترامب في تسمية تيلرسون للمنصب في أنها تأتي عقب الإعلان عن سلسلة من التعيينات الوظيفية المهمة لأناس يفتقرون افتقاراً صارخاً للخبرة في السياسة الخارجية بمن فيهم الجنرال مايكل فلين الذي عيّنه ترامب مستشاراً للأمن الوطني، وحاكمة ولاية كارولاينا الشمالية «نيكي هالي» التي عيّنها سفيرة للولايات المتحدة للأمم المتحدة. وهناك أيضاً العشرات من التعيينات ذات المستوى الأدنى في وزارة الخارجية والبيت الأبيض والتي سيكون لها تأثيرها على رسم السياسات الخارجية للولايات المتحدة. وتتوارد هذه الأيام تقارير تفيد بأن جون بولتون، الذي سبق أن شغل عدة مناصب مهمة في الأمم المتحدة ووزارة الخارجية، قد يتم اختياره نائباً لوزير الخارجية الجديد تيلرسون، وهي تسمية يُنتظر أن تثير المزيد من الضجيج والاحتجاج في الكونجرس. وحتى الآن، هناك نائب جمهوري واحد هو راند بول، قال إنه سيعارض تعيين بولتون. وكان بولتون قد صرّح بأن الاتفاقية النووية مع إيران يجب إلغاؤها. وفي شهر مارس الماضي، كتب مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» دعا من خلاله إلى تنفيذ ضربات جوية ضد إيران باعتبار أن ذلك يمثل الطريقة الوحيدة لمنعها من امتلاك القنبلة الذرية. ويُذكر أيضاً أن بولتون كان من كبار مؤيدي الحرب على العراق عام 2003، وهي الحرب التي وصفها ترامب بأنها خطأ لا يُغتفر. ومع اقتراح المزيد من الأسماء لشغل مناصب قيادية حساسة في الإدارة الأميركية الجديدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، سوف تتضح صورة العالم الترامبي الجديد على نحو أفضل. إلا أنه في وسعنا أن نقول بأن الصورة الراهنة للواقع تبدو قاتمة جداً، وربما تنطوي على بعض الخطورة أيضاً.