لا شك في أن القرار 2334 الصادر من مجلس الأمن الدولي مؤخراً، والذي طالب إسرائيل بالوقف الفوري والكامل لأنشطتها الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، سوف يكون مصيره النسيان، مثل كل القرارات التي صدرت عنه في السابق. فهو ليس أول قرار يصدر بهذا الخصوص، حيث سبق وصدر عن مجلس الأمن قرارات عدة لوقف الاستيطان، حيث صدر القرار رقم 452 بتاريخ 20-7-1979 ورقم 471 بتاريخ 5-6-1980 ورقم 446 بتاريخ 22-3-1997. وهذه القرارات جميعها طالبت إسرائيل بوقف الاستيطان، لكنها للأسف ذهبت جميعها أدراج الرياح وكأنها لم تصدر. وهذا القرار الأخير الذي أجمع فيه أعضاء المجلس على أن الاستيطان جريمة دولية، لن يكون أفضل من القرارات السابقة. وكان الكاتب الإسرائيلي «بن كسبيت» واضحاً في هذا الخصوص، حين قال في مقاله حول المستوطنات («معاريف» 25-12-2016): «إن القرار لن تكون له أهمية أو أي أثر ملموس أو حقيقية على الأرض»، فهو حسب «تصريحي وليس عملياً». وكذلك الكاتب الإسرائيلي «بوعز هندل» في مقاله «توقفوا عن البكاء.. البناء هو الحل»، «يديعوت أحرانوت» 27-12-2016)، عندما قال: «إن شيئاً لن يحصل، اليابان وفرنسا ستواصلان كونهما حليفتينا، أوكرانيا التي لأول مرة يوجد فيها رئيس وزراء يهودي، وبريطانيا حيث توجد رئيسة وزراء مؤيدة لإسرائيل، ستستقبلان وفدين إسرائيليين بعد أسبوعين، كي نحافظ على العلاقات. ومن روسيا التي خافوا التورط معها، سيواصلون الخوف. والسفير الأميركي في إسرائيل شبيرو سيغادر منصبه مع أوباما، وفريدمان السفير الجديد، ومعه ترامب، سيأتيان. وإسرائيل التي تختار متابعة التوبيخ، ستجد نفسها أمام تحديات مشابهة في المستقبل». والإدارة الأميركية الجديدة من جهتها تعهدت بمحاربة القرار، أما إسرائيل فردت عليه بالمصادقة على بناء 5600 وحدة استيطانية جديدة في شمال القدس المحتلة. الاستيطان في العرف الصهيوني هو سياسة وجود، وهو حسب إسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل السابق، استكمال لبناء الدولة. فالهجرة الكبيرة، حسب رؤيته تحتاج إلى أرض إسرائيل الكبرى. وعند أرييل شارون، الاستيطان هو تدعيم لركائز السلام، بمعنى أنه خط الدفاع الأول عن أمن الدولة الصهيونية، وهو جوهر سياستها لخلق وقائع جديدة على الأرض ذات مغزى سياسي يتم من خلاله تعميق الاحتلال، ورفد المفاوض الإسرائيلي بمزيد من القوة على طاولة المفاوضات، وإبقاء حالة التوتر في المجتمع الإسرائيلي غير المتجانس قائمة لرفد عقدة الخوف التي زرعها زعماء الصهيونية في قلب المجتمع الإسرائيلي غير المتجانس. لذلك، فالهجرة والاستيطان هما ركيزتا الفكرة الصهيونية، وهذا أمر ينبغي استحضاره عند الحديث عن موضوع الاستيطان الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، لأنه يهدف في الأسس إلى تحقيق حلم أرض «إسرائيل الكبرى»، وهذا الهدف وضع كاستراتيجية منذ إقامة إسرائيل في قلب المنطقة عام 1948. وكانت هناك «خطة آلون» الاستيطانية، وتلتها خطة موشي ديان الاستيطانية، وكان الهدف هو تقوية وتعزيز السيطرة الإسرائيلية، وتعزيز المناطق المحيطة بالقدس، وإقامة المستوطنات لاستيعاب آلاف المهاجرين.. فالاستيطان في جوهره جزء من عملية جغرافية سياسية ترتبط بوجود إسرائيل، وتهدف تدريجياً لانتزاع أرض فلسطين كاملة من أصحابها، انطلاقاً من المفاهيم التي تؤمن بها الصهيونية، والتي تنظر إلى فلسطين على أنها «أرض صهيون».