اقتصاد فنزويلا يعيش كارثة. وكل مرة كتبت فيها عنه يدلي عشرات الأشخاص بتعليقات تفيد بأن الاشتراكية تقود إلى دمار شامل. وقراءة انهيار فنزويلا باعتباره جزاءً آيدولوجياً هو إغراء لا يقاوم فيما يبدو. لكن هناك مشكلة واحدة فقط في كل هذا الانتقاد للاشتراكية، وهي بوليفيا. فمنذ عام 2006، أدار بوليفيا الاشتراكيون، مثل فنزويلا. لكن بوليفيا عاشت نمواً اقتصادياً مشهوداً وتقلصاً كبيراً للفقر دون أي بوادر على حدوث فوضى مثل تلك التي تعصف بفنزويلا. وبينما تصاعد التضخم بنسب فلكية في فنزويلا، نجد التضخم في بوليفيا أقل من 4? سنوياً. والنقص في المواد الاستهلاكية الأساسية الذي تعاني منه كاراكاس بشدة لا أحد يسمع به في العاصمة لاباز. والفقر الشديد الذي تزايد بسرعة في فنزويلا، لا يتضرر منه إلا 17? من البوليفيين فقط، نزولا من 38? قبل تولي الاشتراكيين السلطة منذ عشر سنوات. وحتى مستويات عدم المساواة بين أفقر الفقراء وأغنى الأغنياء تقلصت بشدة. صحيح أن بوليفيا حصدت ثمار ازدهار مذهل للموارد الطبيعية في جانب كبير من العقد الماضي، مع تصاعد التصدير وارتفاع أسعار المواد الخام. وتجاوزت حصيلة الصادرات ستة أمثالها في العقد الماضي بعد أن تولى السلطة إيفو موراليس، الرئيس اليساري المتشدد من 2.2 مليار دولار قبل انتخابه إلى 12.9 مليار دولار في ذروة هذا الازدهار. صحيح أن تحقيق النمو في ظل الوفرة الاقتصادية سهل فيما يبدو. لكن هذا لا يفسر سبب انتعاش بوليفيا وتهاوي فنزويلا التي تمتعت هي أيضاً بازدهار أكبر في المواد الخام وتصاعد كبير في الصادرات في الفترة ذاتها. والرخاء نفسه ليس مهماً بل المهم ما تفعل به. فقد أنفق الاشتراكيون في فنزويلا عائدات الصادرات بأكملها، لكن نظراءهم في بوليفيا ادخروا بعضها. وعانت فنزويلا من عجز كبير في الميزانية كل عام، حتى مع ارتفاع أسعار النفط بشكل هائل بين عامي 2005 و2014. وهذا يعني أن ديون البلاد تصاعدت حتى في ظل ازدهار العائدات الحكومية، وهي سياسة غير عاقلة ألقت بفنزويلا في عرض البحر دون مجداف حين تنخفض أسعار المواد الخام. لكن بوليفيا تمتعت في الوقت نفسه بفائض في الميزانية سنوياً بين عامي 2006 و2014. وهذا سمح لها بتقليص دين القطاع العام الذي انخفض من 83? عام 2003 إلى 26? عام 2014. وفي الوقت نفسه راكمت بوليفيا احتياطيها الدولي من 1.7 مليار دولار عام 2005 إلى 15.1 مليار دولار في نهاية فترة الازدهار عام 2014. ويتضح أن الاختلاف بين بوليفيا وفنزويلا لا يتعلق بالشعارات الأيديولوجية المجردة، بل يتعلق بالتدبير المالي. وبينما كان الاشتراكيون الفنزويليون يفقرون الطبقة الوسطى الفنزويلية التي كانت منتعشة ذات يوم كان الاشتراكيون في بوليفيا يخلقون طبقة وسطى جديدة تماماً من أهل البلاد. وارتفع نصيب الفرد من الإنتاج المحلي الإجمالي في بوليفيا من ألف دولار سنوياً إلى أكثر من 3200 دولار خلال عقد من الزمن. وشهدت البرامج الجديدة للرعاية الاجتماعية التي تستهدف مساعدة كبار السن والأمهات والجماعات المعرضة للخطر تحسناً كبيراً في المؤشرات الاجتماعية.. فقد كان هناك 32? من البوليفيين يعانون من سوء التغذية بشكل مزمن في عام 2003 وبحلول عام 2012 لم يعد من هؤلاء إلا 18?. وأنا هنا لا أريد القول إن الاشتراكيين في بوليفيا مثاليين، فمازال الفساد متوطناً في القطاع العام هناك. والمشهد السياسي رغم أنه لا يشبه الديكتاتورية في فنزويلا، لكنه يشهد جنوحاً مثيراً للقلق نحو السلطوية. بل يجب توخي الحذر عند تقييم الإنجازات الاشتراكية البوليفية، لأنه من الممكن التذرع بأن تقليص الفقر كان يمكن أن يكون أسرع وأكثر قدرة على الصمود لو لم يستعدي البوليفيون من دون داع القطاع الخاص. وتواجه بوليفيا حالياً مشكلة التكيف مع انخفاض أسعار المواد الخام. ومنذ عام 2015، وهي تعاني تزايد حجم الديون وتسحب من احتياطيها الدولي بسرعة، فيما تقاوم الحكومة تقليص الإنفاق لتتكيف مع الوضع الجديد. وبالاستمرار في هذا الاتجاه لبضع سنوات، قد تجد بوليفيا نفسها في المنحنى النازل نفسه الذي تنزلق فيه فنزويلا. لكن لأن الاشتراكيين في بوليفيا أبقوا الإنفاق تحت السيطرة أثناء السنوات السمان، وقلصوا الدين، فإن أمامهم خيارات كثيرة للتعامل مع السنوات العجاف. والواضح أن الرابطة المفترضة بين الاشتراكية والانهيار الاقتصادي لا يقوم عليه دليل. والاشتراكية لا تفسر أياً من أسباب تحول بعض الدول إلى انهيار اقتصادي. فرانشيسكو تورو: رئيس التحرير التنفيذي لمدونة «كاراكاس كرونيكلز» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرغ نيوز سيرفس»