بعدما استلم دونالد ترامب مهام عمله، لكل امرئ أن يخمن ماذا سيفعل الرئيس الجديد. وخلال الشهر الماضي، سألني صحافيون كُثر: «ماذا تعتقد أن ترامب سيفعل؟ وما هي أهم مخاوفك؟»، وكانت إجابتي البسيطة هي «أنني أعرف ما هي أهم مخاوفي، ولكن لا فكرة لدي عما سيفعله الرئيس الجديد لأنني لا أعتقد أنه هو نفسه يعرف ما سيفعل!». وأثناء الحملة الانتخابية، وعد ترامب بكثير من المبادرات والإجراءات المثيرة، وبعد الفوز، تغير كثير من تلك الوعود، أو اختفت ببساطة. فهيلاري كلينتون لن تذهب إلى السجن، والمكسيك لن تدفع مقابل بناء الجدار، والمسلمون لن يتم حظر دخولهم، ولكي لا ننسى، لم تعد «وول ستريت» و«جماعات الضغط» تمثل أيضاً أية مشكلة (بل إنهم أصبحوا الحكومة الآن!). ولكننا سنرى قريباً ما سيفعله ترامب. وإذا كان علي أن أخمّن، أزعم أنه سيلغي بعض الأوامر التنفيذية التي وقعها أوباما والتي تحمي جودة الهواء ونقاء المياه والمستهلكين والعمال. ومن دون شك، سيكون إلغاء كافة هذه القرارات تراجعاً عن مكاسب، كما أنه لن يكون جيداً إزاء «الوعود الكبرى» التي أدلى بها الرئيس الجديد بتحويل دولتنا من الكابوس المظلم التي وصلت فيه إلى ما بعد نهاية العالم حسب خطاباته، لتصبح أمة «عظيمة مرة أخرى» دون أن يحدد كيفية ذلك بوضوح. بيد أن هذا سيتطلب منه أكثر من مجرد إطلاق «وعد». وبالطبع، تختلف وظيفة الرئيس عن نجم تلفزيون الواقع، أو مهمة إدارة حملة انتخابية، أو التغريد على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أو مهام مطور عقاري يروّج لنفسه. وربما تكون التصريحات المتباهية والوعود البرّاقة قد حددت معالم طريق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ولكنني قلق من أنه ربما يعجز عن التكيف مع التحديات القائمة هناك. وثمة أسباب لهذا القلق. فدونالد ترامب يحب أن يكون مسيطراً، ولكنه سرعان ما سيعلم أن الرئيس ليس قائد فريق بقدر ما هو أسير لهذا الفريق. والعمل كرئيس ليس بسهولة أداء نجم تلفزيون الواقع أو إدارة حملة انتخابية؛ ولاسيما أنه كرئيس يجب عليه الاعتماد على موظفين أكفاء وعلى قدرتهم على تنفيذ المهام. وربما يبدو ذلك سهلاً، ولكن عند النظر إلى درجة الاختلاف مع آراء الرئيس بشأن القضايا المحورية، التي أعرب عنها بوضوح المعينون في إدارة ترامب أثناء جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ، فلاشك أنه ستكون هناك اختلافات في عملية صنع القرار المضنية. وسيحتاج الرئيس الجديد أيضاً إلى الكونجرس وكثير من النخبة «الجمهورية» التي ذمّها، لتأييد أجندته. ومن ثم ستكون سلطته محدودة في هذا الأمر أيضاً. وربما يمنح قادة الحزب «الجمهوري» في مجلسي الكونجرس لترامب «شهر عسل»، ولكنهم يعرفون أنه يبدأ رئاسته بمستويات تأييد منخفضة. وفي حين يواجه جميع أعضاء الكونجرس، وثمانية أعضاء في مجلس الشيوخ، حملة لإعادة انتخابهم في 2018، من المتوقع أن أعضاء الكونجرس سرعان ما سيبدؤون التفكير بدرجة أكبر في وظائفهم، وبدرجة أقل في نجاح أجندة الرئيس. ومع أول حادث محرج أو مثير للقلق، أو فضيحة أخلاقية أو مالية، سنرى مدى ولاء «الجمهوريين» لـ«رئيسهم»! والأكثر أهمية من الصعوبات التي سيواجهها الرئيس في محاولة السيطرة على الموظفين المتنافسين أو الكونجرس، عجزه عن السيطرة على الأحداث غير المتوقعة التي ستتكشف في الداخل أو الخارج. وكثيراً ما ألاحظ أن الرؤساء لا يحكم على نجاحهم بإنجاز جدول الأعمال الذي وضعوه لأنفسهم بقدر كيفية ردودهم على الأجندة التي وضعت لهم من العالم غير المتوقع! وقد واجه جورج بوش الابن أحداث الحادي عشر من سبتمبر المروّعة، وإعصار «كاترينا» المدمر، وأسوأ انهيار اقتصادي منذ الكساد الكبير. فضيّع حسن النية في العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر، بشنه حربين كارثيتين، وانخراطه في أعمال تعذيب في الخارج وقمع في الداخل. وأساء التعامل مع «كاترينا»، وواجه صعوبة في التعامل مع الركود. وبدأ باراك أوباما سباقه إلى البيت الأبيض، قبل أن يضرب الركود بجذوره، وورث صراعاً فلسطينياً إسرائيلياً مترنحاً بعد حرب كارثية على غزة، وانتخاب رئيس وزراء إسرائيلي عنيد ومتشدد. وتعين عليه أيضاً التنازع مع تحدٍّ روسي، وتعدٍّ صيني متزايد، وتبعات مزعزعة للاستقرار وخارجة عن السيطرة إثر الاضطرابات التي وقعت في الشرق الأوسط. ونحج أوباما في الخروج من المنعطف الاقتصادي، وتمكن من تمرير قانون شامل لإصلاح الرعاية الصحية، وبعض القوانين الاجتماعية الأخرى. ولكنه لم يحقق نجاحاً كبيراً في الشؤون الخارجية. وسيكون العجز عن السيطرة على الأشخاص والمؤسسات والأحداث اختباراً لرئاسة ترامب، ولذا فلن يجد سهولة في أن يطيح بكل من لا يرغب اللعب وفق قواعده. وعلى النقيض من التجارة، لن يتمكن من إعلان الإفلاس، وتكرار المحاولة!