«إننا نعيش على هذا الكوكب لفترة قصيرة جداً، لذا لا يمكننا إعادة صنع العالم بأسره أثناء هذه الفترة القصيرة التي نقضيها.. لكن في نهاية المطاف، نكون جزءاً من قصة طويلة، ونحاول فقط كتابة فقرتنا بشكل صحيح».. أدلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بهذه التصريحات لمجلة «نيويوركر» في بداية فترته الثانية، فيما بدا تأملاً عميقاً من شخص كثيراً ما تم امتداحه بسبب تأملاته الفكرية، لكن حكم التاريخ على الرؤساء لا يتوقف ولا يهدأ أبداً. وستظل فقرة الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة محط الأنظار باستمرار لإعادة التأمل فيها والحكم عليها وربما إعادة صياغتها. وتلك الفقرة يمكن ويجب أن تشير إلى أنه كسر حاجز العنصرية في البيت الأبيض، وهو إنجاز تاريخي لا يمكن لأي مراجعة أن تلغيه، كما أنه هو من حال دون وقوع «كساد كبير» ثان، وهو إنجاز سيدركه الشعب بمرور الوقت. وفي حين أن ميراث الرؤساء يتم تقريره على المدى الطويل، فإن محاولات «التنقيح» تكون على المدى القصير. وخلال الأشهر الأخيرة من إدارته، أجرى أوباما حوارات صحفية مطولة مع كتاب من كبار المفكرين، ونشر مقالات عن الرعاية الصحية وإصلاح نظام العدالة الجنائية. وجاءت محاولة أخرى ليلة الثلاثاء الأخير قبل مغادرة السلطة في «خطاب الوداع» عندما قال: «نعم نستطيع.. نعم استطعنا». وبالطبع سيقوم بمحاولة جديدة في مذكرات ما بعد الرئاسة. لكنه ربما سيُجبر على تقديم تقييم ترحيبي أكثر من تقييم الصحافي «جوناثان تشيت» الذي أورده في كتابه الجديد «الجرأة.. كيف تحدى أوباما منتقديه ورسخ ميراثاً سيسود». وبالطبع، سيصبح كتاب «الجرأة» مرجعاً لأي مؤرخ مستقبلي يرغب في الاطلاع على مجريات رئاسة أوباما وفهم أحداثها، وإن كان الكتاب ينطوي على كثير من التعاطف والسرد لإنجازات أوباما، بينما يقلص انتكاساته. وبينما يتشبث ميراث الرؤساء بكيفية ردهم على الأحداث غير المتوقعة، كما في حالة جورج بوش مع أحداث 11 سبتمبر، لجأ «تشيت» إلى وضع قائمة تدقيق، بحثاً عما إذا كان أوباما قد أوفى بوعوده الانتخابية. وكتب «تشيت»: «لقد أنجز تقريباً كل شيء كان قد حدده أثناء حملته الانتخابية وبداية رئاسته، بداية من التحفيز المالي، وإصلاح الرعاية الصحية، والقوانين المالية، والطاقة المتجددة إلى عمليات الانسحاب العسكري». ولفت إلى أن أوباما كان قد ورث اقتصاداً على شفا الانهيار، لكنه تفادى ذلك المصير، وكان ذلك إنجازاً عملاقاً، لكن على الصعيد السياسي كان يبدو هذا الإنجاز محدوداً؛ فالرؤساء يُلامون أو ينسب لهم الفضل، بشكل كبير، في كيفية تعاملهم مع الأزمات التي تتجسد، وبدرجة أقل في الأزمات التي تم تفاديها. وأسهب المؤلف في الثناء على مبادرة الرعاية الصحية التي أطلقها أوباما، مؤكداً أنه لم تزد فحسب التغطية الصحية لملايين الأميركيين، لكنها أيضاً انطوت على أفكار من كلا الحزبين. وقال «تشيت»: «إن خطة أوباما لإصلاح الرعاية الصحية كانت شديدة الطموح، لكنها لم تكن متطرفة في أساليبها»، منوّهاً إلى أن أوباما كان بعيداً عن الليبرالية المتطرفة التي لطالما اتهم بها، واعتبر أن الرئيس السابق مال نحو «النهج الجمهوري الليبرالي» بشأن الرعاية الصحية والبيئة والتعليم والمجالات الأخرى، موضحاً أن المشكلة الوحيدة هي أن هذا النهج أصبح الآن محظوراً في «الحزب الجمهوري». وفي أمور السياسة الخارجية، وصف «تشيت» أوباما بأنه «لم يكن متحولاً»، معتبراً أن إنجازه الأهم كان وضعه كـ«مناهض لسياسات بوش»، الذي كان كافياً ليضمن له الحصول على جائزة نوبل للسلام. ويؤكد الكتاب أن «سوريا وليبيا لا يمكن اعتبارهما إنجازين لإدارة أوباما، لكن كيفية تأثير هذين الإخفاقين على سجل أوباما يعتمد على سؤال لا تزال إجابته مجهولة حول مدى نجاح أية استراتيجية بديلة». ويضيف: «لذا لا ينبغي الحكم عليه بقسوة في ضوء جهل الإجابة على ذلك السؤال». وائل بدران الكتاب: الجرأة المؤلف: جوناثان تشيت الناشر: كاستم هاوس تاريخ النشر: 2017