ينطوي القرار الأخير الذي أصدره سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، رئيس دائرة القضاء في أبوظبي، بإنشاء محكمة للأحوال الشخصية والتركات لغير المسلمين، على أهمية بالغة، ليس فقط لأنه يحقق العدالة الناجزة لجميع فئات المجتمع، وخاصة لغير المسلمين، الذين يمثلون قطاعاً كبيراً من المقيمين في أبوظبي، وإنما أيضاً لأنه يجسد رؤية الإمارات الحضارية لتحقيق التعايش لجميع الجنسيات على أراضيها، كما يعزز ثقافة التسامح وقبول الآخر من خلال توفير بنية تحتية مؤسساتية تأخذ في الاعتبار قانون الأحوال الشخصية الذي ينص على حق المتقاضي في أن يطالب المحكمة بتطبيق القانون الوطني في بلاده. وفي الوقت ذاته، فإن المحكمة الجديدة تأتي في سياق الاهتمام الذي توليه حكومة أبوظبي بإنشاء محاكم متخصصة تتسم بالسرعة في إنجاز القضايا المعروضة أمامها، وكفاءة التعامل معها، لأنه عندما تطرح القضية أمام محكمة متخصصة بشكل أساسي فيها، وعلى معرفة تامة بجوانبها الفنية، فإن هذا يضمن الانتهاء منها بسرعة من ناحية، وإصدار الأحكام المناسبة التي تلقى الرضا بشأنها من ناحية أخرى. وفيما يتعلق بمحكمة الأحوال الشخصية والتركات لغير المسلمين، فستختص بنظر قضايا غير المسلمين المتعلقة بالأحوال الشخصية، مثل: الطلاق، وإثبات الزواج، وإثبات النسب والحضانة والنفقة وغير ذلك، إضافة إلى قضايا المواريث والتركات، وهي قضايا تمس الجوانب الأساسية في حياة الأفراد وقيمهم الاجتماعية. وتعمل الدول المتحضرة على حماية وتعميق قيم العدل والحق والمساواة، وتمثل سيادة القانون العمود الفقري الذي تتأسس عليه المجتمعات المستقرة والآمنة والقادرة على إنجاز أهداف التنمية في إطار من الانفتاح والتعايش والتسامح، وهذا ما تسير عليه وتجسده دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتضح بجلاء في طبيعة نظرة قيادتها الرشيدة، برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى موقع القضاء في الرؤية الشاملة للتنمية، حيث تؤمن القيادة الحكيمة بأن وجود جهاز قضائي متطور وقادر على التعامل مع المتغيرات المختلفة في إطار من دولة القانون، هو ركن جوهري من أركان العملية التنموية، ولذلك تحرص الدولة باستمرار على تأكيد دولة القانون وضرورة تحقيق العدالة الناجزة للجميع، وتعمل على توفير كل ما من شأنه أن يساعد الأجهزة القضائية على أن تكون قادرة على التعامل مع القضايا المختلفة المطروحة عليها بكفاءة وشفافية وتجرد، ما يشيع أجواء من الطمأنينة في المجتمع، سواء لدى الأفراد العاديين أو أصحاب الأعمال والمستثمرين، فلا شك في أن وجود نظام قضائي عصري وعادل، هو أحد المصادر الأساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع رجال الأعمال على العمل في الدولة وتوسيع نشاطاتهم فيها. ولا شك في أن إنشاء محكمة خاصة للأحوال الشخصية والتركات لغير المسلمين، سيعزز من صورة الإمارات الحضارية في الخارج، وخاصة أن هذه المحكمة ستقوم بتطبيق القانون الذي يسري على المتقاضين في موطنهم الأصلي، وهذا أمر يعزز من مكانة الإمارات، باعتبارها المكان المفضل للعيش والإقامة للكثيرين من دول العالم، لأنها تأخذ في الاعتبار العمل على توفير مقومات الحياة الكريمة لجميع من يعيش على أراضيها، وفي مقدمتها تحقيق العدالة الناجزة. إن توسع دائرة القضاء في أبوظبي بإنشاء المحاكم المتخصصة وعمليات التدريب وغيرها من مجالات التطوير الأخرى تهدف كلها إلى خلق قضاء عصري يتواكب مع ما تشهده الدولة من تطورات في المجالات كافة، وهذا هو سر الإنجازات الكبيرة التي تحققها الإمارات في المؤشرات والتقارير الدولية المعنية بقياس تطور النظام القضائي، ولعل حصولها مؤخراً على المركز الأول عربياً، والخامس والعشرين عالمياً، في مؤشر كفاءة النظام القضائي لعام 2016، ضمن «تقرير سهولة ممارسة الأعمال» الذي أصدره «البنك الدولي» عام 2017، إنما يعبر بوضوح عن تميز وكفاءة النظام القضائي في الإمارات، وما يتسم به من سرعة وكفاءة في إنجاز القضايا، الأمر الذي يعزز صورتها باعتبارها نموذجاً للعدالة وسيادة القانون. ـ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.