بعد أن تميز الأسبوع الأول من رئاسة دونالد ترامب بكثير من مظاهر الفوضى، سيبدأ المزيد من مثل هذه المشاهد في الظهور تباعاً. وكنت أنا ممن أمعنوا التفكير في خطته الاقتصادية التي سأطلق عليها المصطلح الجديد «الترامبونوميكس» Trumponomicsالمشتق من كلمتين تعنيان (اقتصاد ترامب)، وهي تستهدف إعادة توزيع الثروة، والعمل على تحسين الوظائف، وتطوير المناطق بدلاً من الاعتماد على تحويل المداخيل بين الولايات. وعلي أن أشير هنا إلى أنني لم أعثر حتى على عنصر إيجابي واحد يمكنه أن يميّز هذه الخطة. وحتى من دون وجود خطة اقتصادية واضحة، في وسعنا أن نتناول بعض خيوط هذه الحبكة التي تدور في رأس ترامب. ومن السهل علينا أن نخفّض من القيمة الحقيقية لخطة «الترامبونوميكس»، لأنها تبدو لأول وهلة وكأنها مبنية على معلومات خاطئة. وفي حقول كثيرة التنوع، بما فيها إصلاح قانون الرعاية الصحية، وتعديل قانون الضرائب على السلع العابرة للحدود، يحاول الخبراء جاهدين فهم ما ترمي إليه خطط ترامب في هذا الصدد، ويذهب معظمهم لاستباق الأمور والتقليل من شأنها. وبرغم العيوب التي تنطوي عليها، إلا أن من غير المتوقع أن تتسبب في انهيار اقتصادي، ولكنها ستثير غضباً شديداً في أوساط اليسار السياسي. ودعونا نتأمل الآن تعديل خطة الضرائب على السلع العابرة للحدود، وهو الاسم الذي أطلقه ترامب عليها، والتي تُعرف أيضاً باسم «خطة الإصلاح الضريبي للشركات»، وتقضي بفرض ضرائب جديدة على الواردات من الخارج إلى الأسواق الأميركية. وأنا أتفق مع تقديرات الخبير الاقتصادي بول كروجمان بأنها، ورغم تعقيداتها البالغة، تندرج في إطار «ضريبة القيمة المضافة»، مضافاً إليها الدعم المالي لأجور العمالة. وأنا، باعتباري اقتصادياً ليبرالياً، لا أفضل استحداث هذه التغييرات، ولا أنا راضٍ عن التداعيات التي ستنتج عنها. ومع ذلك، فإنني أرى فيها جانباً منطقياً يستحق الذكر. ويمكنك أن تفكر في هذه السياسة على أساس أنها تعني فرض الضرائب على المواد التي تستهلكها النُخب الاجتماعية، واستغلال الأموال الناتجة عن جبايتها في خلق وظائف العمل الجديدة من خلال دعم الشركات المتعثرة. ومن حيث الأساس، تجاوز ترامب موقف اليسار السياسي بخططه الهادفة إلى إعادة توزيع الثروة عبر طريقة جديدة للممارسة التجارية. وتثير هذه الخطط المخاوف في الوسط السياسي اليساري من أن يثبت التوجّه نحو إعادة توزيع الثروة أنه يمثل مكسباً شعبياً وإضافة للمزيد من الأصوات التي يمكن أن يحققها اليمين على حساب اليسار الذي يفضل تحقيق المساواة بدلاً من إعادة توزيع الثروات. أو لنتمعّن في تبديل ترامب لخطة أوباما للرعاية الصحية «أوباماكير»، ومهما كانت النتائج التي ستؤدي إليها خطة إدارة ترامب الجديدة فلابدّ لها أن تكون عامرة بالفوضى، ومن غير المرجح أن تؤدي إلى زيادة عدد الأميركيين المشمولين بنظام التأمين الصحي. ويبدو «الديمقراطيون» مقتنعين بأن الخطة الجديدة ستضرّ بالصحة العمومية للأميركيين، وأنا أرى أنهم توصلوا إلى هذه القناعة باستعجال شديد. ودعونا نراجع معاً خطة ترامب باعتبارها تتميز بالتوازن الجهوي، وكونها مبنية على تحسين فرص العمل. فإذا حظي عدد أكبر من الناس بوظائف أفضل (وأنا لا أفترض أن ترامب سيتمكن من تحقيق ذلك)، فسيساعدهم ذلك على تحسين أوضاعهم الصحية بأكثر من أن نؤمّن لهم نحن التأمين الصحي المدعوم. ويكمن تفسير ذلك في أن الوظائف تؤمّن للناس الأموال، وتساهم في التواصل المجتمعي، وتعزز القدرة على مساعدة الآخرين. ويبقى إصلاح نظام «الرعاية الطبية» أو «الميديكير» شأناً آخر يمكن أن يساعد في فهم «الترامبونوميكس». ويدور الآن حديث حول استبدال البرنامج الحالي بمنح الولايات صلاحيات خاصة في هذا الشأن، أو بإعادة النظر بطريقة مساهمة الحكومة الفيدرالية في تطبيقه. ويمكن لهذا التوجه أن يؤدي إلى منح الولايات الأكثر ميلاً للحزب الجمهوري، وتلك التي تتأرجح بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حقوقاً أفضل من تلك التي ستفوز بها ولايتا نيويورك وكاليفورنيا. وأنا شخصياً، لازلت متمسكاً باعتقادي بأن نظام «الترامبونوميكس» لن يلقى النجاح، لأنه يساهم في توسيع شقة الخلافات السياسية، وسيطبق استناداً على اعتبارات ضيقة. تايلير كاوين* * أستاذ الاقتصاد في جامعة «جورج ماسون»- فرجينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»