بدأت حرب من التغريدات تدور بين واشنطن، وبالتحديد الرئيس دونالد ترامب وطهران، حيث يلوّح كل منهما بقفاز التحدي والتصعيد في وجه الآخر من جديد، في مؤشر آخر على عودة أجواء التوتر في العلاقات بين الجانبين، مع احتمال الدخول في منزلق المزيد من المواجهة. والمواقف والتحذيرات الأخيرة الصادرة من واشنطن مؤشر واضح وصريح على عزم الرئيس ترامب على ترجمة أقواله إلى أفعال، وخاصة فيما يتعلق بالملف الإيراني والصفقة النووية بالذات. ولا شك أن هذه التحولات في الموقف ستكون لها تداعيات على طموح الشركات الأميركية والأوروبية في الحصول على حصص من الاستثمارات في السوق الإيرانية التي باتت الآن على المحك. ويصعب الآن توقع استمرار تلك الشركات في التحرك وسط رؤية ضبابية للمستقبل، والأرجح أن السعي للحصول على امتيازات وعقد صفقات تجارية مع إيران سيتراجع في المدى المنظور على الأقل، بشكل كبير. لأن رأس المال بطبيعته حذر، وستدله قرون استشعاره الآن على عدم المجازفة بوضع طهران غير المستقر سياسياً ولا حتى اقتصادياً. ولذلك فسيزداد تباطؤ وخشية الشركات التي أبرمت اتفاقيات بالفعل خلال العام الماضي، بحكم وجود ظلال قوية من الشك الآن حول فرص نجاح استثماراتها، وقدرتها على تعويض ما تم إنفاقه في ظل استمرار إيران على سياستها. وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب توعد بتمزيق تلك الاتفاقية النووية الموقعة بين إيران والدول الكبرى، واعتبارها كأن لم تكن، فإن خامنئي كذلك هدد وتوعد، هو أيضاً، بالتخلص من الاتفاقية كنوع من الرد والتحدي، وإظهار عدم الاكتراث بما تعتزم إدارة ترامب فعله. ويرى مراقبون أن رفع قفاز الاستفزاز قد يأتي من طهران أيضاً، وخاصة أنها حظيت بوقت وافر في تنفيذ مشروعها النووي، ما قد يدفع لمزيد من السير على طريق سياسة حافة الهاوية وعدم التعقل، التي ظلت تنتهجها على مدى الثلاثة عقود الماضية. وإقدام الولايات المتحدة على إلغاء الاتفاق النووي، يمكن أن يكون قراراً في غاية البساطة والسرعة، بأكثر مما يتخيل كثيرون، بسبب سياسة إيران وسلوكها العدواني وتحديها للمجتمع الدولي، وتقديمها المبررات الدافعة إلى ذلك كأية خروق أخرى لبنود الاتفاق من قبيل الاستمرار في التجارب الصاروخية غير المسموحة. وبعيداً عما يجْترُّه البعض في وسائل الإعلام، من وجود ضمانات للاتفاق من طرف بقية القوى الدولية الأخرى الموقعة عليه، فستجاري أوروبا بلا شك الولايات المتحدة الأميركية في قرارتها الخارجية، كائنة ما كانت تلك القرارات، حفاظاً على التحالف الأزلي بينهما، وخشية كذلك من الانكشاف أمام شهية «الدب الروسي» الذي ضم شبه جزيرة القرم على مرأى ومسمع من العالم، وأيضاً لأسباب أخرى كثيرة، تاريخية ونفسية، تجعل استمرار حماية المظلة الأميركية هي عماد الأمن الأوروبي، ورهانه الأول والأخير! ولذا فلن تكون أوروبا في وارد التخلي عن الحليف التاريخي الضامن لأمنها الحيوي منذ أكثر من ستة عقود، من أجل الدفاع عن اتفاق عارض مع حليف لا توجد بينها وبينه مصالح راسخة، ولا تاريخ شراكة مؤثرة. وأيضاً قد تكون هناك مبررات قوية لأطراف أخرى من الدول الخمس في نقض الاتفاقية والسير على خطى ترامب، وخاصة مع عدم التزام إيران بكثير من البنود التي وردت في الاتفاقية النووية، علاوة على الملفات الشائكة الأخرى المتعلقة بطهران وسلوكها تجاه حقوق الإنسان، وأنشطتها العسكرية خارج حدودها، ودعمها للميلشيات الإرهابية، وتربعها على رأس قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وكل ذلك سيكون بلا شك دافعاً بقوة لعدم التزام بقية الدول الخمس الأخرى من ضمن الدول الكبرى الأطراف في الاتفاقية، أو هي، على الأقل، لن تتحمل أعباء الدفاع عنها باستماتة، ما دام الطرف المعني بها، وهو إيران، لا يلتزم بمنطوقها وجوهرها ومعناها. وفي هذا السياق يبدو احتمال تغيير روسيا أيضاً لموقفها من إيران وارداً كذلك، وخاصة إذا ذهبت الاتفاقية النووية في مهب الريح، وعادت العقوبات الاقتصادية على إيران من جديد، الأمر الذي يجعل الشركات تنأى بنفسها عن العقوبات، وتتجنب التورط في سوق متذبذب بسبب سلوك ساسة بلادها، وانتهاجهم العدوانية تجاه المنطقة وأهلها. والراهن أن مخاوف الشركات الغربية حيال الدخول إلى السوق الإيراني خوفاً من انهيار الاتفاق هي ما يبدد فكرة «جنة عدن» التي ستصبح عليها إيران بعد رفع العقوبات، والتي يتحدث عنها باستمرار النظام الإيراني! فالأحلام الوردية التي وعدت بها طهران الشركات الأجنبية أصبحت، مع مرور الوقت، «كوابيس» لعدم توافر بيئة استثمارية خصبة، ونظام اقتصادي متوافق مع النظام السياسي في البلاد، وأيضاً في ظل الطمع الإيراني في التوسع الخارجي وبناء إمبراطوريته المزعومة التي تتحكم في المنطقة وممراتها المائية، وحركتها الملاحية، لا سمح الله. وعلى ذكر الممرات المائية والملاحة، فحادثة الاعتداء الأخيرة من قبل مليشيا «الحوثي» على الفرقاطة السعودية تعتبر مؤشراً آخر على أن إيران مستمرة في السعي لزعزعة الاستقرار الإقليمي، ومستمرة في دعم المرتزقة الحوثيين، ولا تسعى لتصفية نواياها تجاه المنطقة وشعوبها. وهذا الإصرار على تهديد الاستقرار والسلام في المنطقة جعل الولايات المتحدة ترسل المدمرة الأميركية «كول» إلى باب المندب، للحفاظ على أمن المنطقة، وعدم ترك الإيرانيين يعبثون فيها.