ما الذي يخبئه المستقبل؟ سؤال بدأ كثيرون يطرحونه الآن مع دخول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ليتولى تسيير سياسات الدولة الأقوى في العالم طيلة السنوات الأربع المقبلة. هذا ما يبدو أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية دخلت على خط الإجابة عنه، من خلال قراءة استشرافية موسعة لملامح العالم المتوقعة خلال العقدين المقبلين، من خلال تقرير مطول من 300 صفحة، وضعته على طاولة ترامب لحظة تسلمه مقاليد منصبه الجديد، وهو تقرير أصدر نسخته الفرنسية وقدّم لها، الصحفي أدريان جولم، كبير محرري صحيفة لوفيغارو، ونشره يوم 27 من شهر ينار المنصرم، تحت عنوان: «العالم في 2035 في نظر السي آي أيه.. مفارقة التقدم»، وسنشير هنا بطريقة خاطفة إلى بعض القصاصات والخلاصات التي انتهى إليها هذا الاستشراف الأميركي للمستقبل. وقد شارك في إنجاز هذا التقرير الاستشرافي الموسع 2500 مشارك من مختلف المجالات، من استراتيجيين وباحثين وعلماء اقتصاد ومتخصصين في شؤون الاستخبارات.. الخ، موزعين على 40 بلداً، جمعهم مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي. ومنذ البداية يقول التقرير، إن عالمنا اليوم يعرف تحولات متسارعة يصعب التكهن بالاتجاه الذي تسير فيه، أو المآل الذي يمكن أن تتكشف عنه في النهاية، معدداً في هذا الصدد أهم المهددات القائمة، أو المحتملة، خلال هذه الفترة الزمنية، ليس فقط على الأمن القومي الأميركي، وإنما على أمن النظام الدولي كله. وعلى رغم تأكيد هؤلاء الخبراء على أهمية وكثرة الفرص الهائلة التي تتيحها العولمة وطفرة الاقتصاد والتكنولوجيا للعالم اليوم، وفي المستقبل المنظور، إلا أن العالم لم يكن يوماً أيضاً في حال أكثر خطورة وأشد عرضة للتهديد في وجوده وفي استقراره أكثر مما هو عليه الآن، ومما يتوقع أيضاً أن ينزلق إليه خلال العقدين المقبلين. ويؤكد هؤلاء الخبراء أن من أبرز التحديات والتهديدات المقبلة التي ستواجه العالم التزايد الكبير في عدد السكان، حيث يتوقع أن يصل سكان الكوكب بحلول عام 2035 إلى ما لا يقل عن 8.8 مليار نسمة، مع تقدم في السن سيطبع النسبة الأكبر من سكان الصين، في مقابل انفجار ديموغرافي في عدد سكان إفريقيا، حيث ستستحوذ القارة السمراء على معدل النمو السكاني الأكثر ارتفاعاً على صعيد عالمي. وبحسب «السي آي أيه»، فمن بين هذا العدد الهائل من سكان العالم سيكون هناك 5 مليارات نسمة يعيشون في النسيج الحضري لقرابة أربعين مدينة ضخمة. وهذا يعني استنزافاً لأعداد سكان الأرياف، ما من شأنه التأثير سلباً على التوازن في التوزيع القطاعي لسكان العالم، وأيضاً تأثر الأنماط الإنتاجية والمعيشية سلباً بهذا التحول الكبير. ويتوقع خبراء مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي أيضاً زيادة كبيرة في عدد النزاعات والصراعات على صعيد عالمي، ودخول أنماط فن الحرب طوراً جديداً مع التقدم الهائل الحاصل في مجال الحرب السيبرانية الإلكترونية، ودخول المنظومات الروبوتية، والأسلحة المسيّرة عن بعد، كأسلحة رئيسية في الحروب والصراعات المقبلة. تماماً مثلما أن الفاعلين في المشهد الدولي، سواء في ذلك الدول، والفاعلون من غير الدول، سيستمرون في تطوير ترسانات ذات قدرات هجومية كبيرة وخاصة في مجالي الهجمات المستهدفة، وعن بُعد. وإن كان هذا التحول في طبيعة وأسلحة المواجهات يمكن أن تكون له تداعيات أيضاً لجهة تقليل عدد صور المواجهة المباشرة بين المتحاربين، وتحويل هذه المواجهات إلى عمليات معزولة، أو عن بُعد، وخاصة في المراحل الأولى من الصراعات والحروب. وعلى رغم عدم اهتمام الرئيس ترامب بمسألة البيئة وتغير المناخ، يقرع التقرير الذي وضع على مكتبه أجراس الإنذار بشأن خطورة وتيرة وتداعيات الاحترار العالمي وتلوث الهواء (ويتوقع أن يكون السبب الأساسي في المستقبل للوفيات بين البشر مرتبطاً بالتلوث وتردي الأحوال البيئية والمناخية). كما سيؤدي كل ذلك، بالنتيجة، إلى افتقار نصف سكان العالم إلى مصادر للمياه الصالحة للشرب. ومع تصاعد دور مواقع التواصل الاجتماعي واتجاهها للتغطية على دور الإعلام التقليدي يتوقع معدو التقرير أيضاً أن تزداد أحوال عدم الاستقرار السياسي على الصعيد العالمي، وأن تتفاقم ظاهرة تراجع ثقة الشعوب في الطبقة السياسية في العديد من الحالات. كما تتوقع «السي آي إيه» أيضاً أن يستمر تنامي ظاهرة النزعة الشعبوية المتطرفة في أوروبا، حيث تكابد شعوب القارة العجوز أزمة هوية وانفصاماً نكداً بينها وبين وزعاماتها السياسية. وفي المجمل، فإن حال العالم من هنا وحتى 2035 سيكون صعباً ومثيراً لكافة الهواجس والمخاوف، وحافلاً بدواعي عدم الاستقرار، ولكن على رغم هذه الصورة السوداوية لا يخلو التقرير أيضاً من توقع بعض الأمور الإيجابية، مثل توقع ارتفاع معدلات النفاذ إلى التعليم بمعدلات كبيرة من هنا وحتى ذلك التاريخ، وكذلك أيضاً توقع ارتفاع نسب تمكين النساء في الحياة العامة على صعيد عالمي بشكل كبير. حسن ولد المختار الكتاب: العالم في 2035 في نظر «السي آي أيه» إعداد وتقديم: أدريان جولم الناشر: إيكواتور تاريخ النشر: 2017