يتبادل الآن الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الاتهامات والإهانات، بينما يبدو العالم العربي القلق حائراً في المنتصف! ففي بداية الأسبوع الماضي، احتل المرشد الإيراني عناوين الصحف عندما شكر الرئيس ترامب على «كشفه الوجه الحقيقي لأميركا»! وتركزت انتقادات خامنئي على السياسات المتعصبة للإدارة الأميركية وتهديدها «بمراقبة إيران عن كثب»، بينما لم يأت على ذكر الأمر التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض وتأثيره على اللاجئين والمهاجرين والزائرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة. وقال خامنئي في أحد تصريحاته، متحدثاً عن ترامب: «الآن، وفي كل شيء يفعله، ولاسيما تقييد طفل لم يتجاوز عمره خمسة أعوام في أحد المطارات، يُظهر الرئيس الأميركي واقع حقوق الإنسان الأميركي». (تصحيح: تم احتجاز طفل عمره خمسة أعوام عقب الأمر التنفيذي للرئيس ترامب، ولكن لم يتم تقييده). وهذا الخبر إلى جانب السجالات السلبية الحادة عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» وحرب التصريحات بين المرشد الإيراني والرئيس الأميركي كشفت في داخل الولايات المتحدة عن العلاقة الوثيقة بين السياسات الأميركية الداخلية والخارجية، وأطّرت المأزق الذي سيواجهه حلفاء واشنطن من العرب في «عصر ترامب». ويذكرني ذلك بقصة تعود إلى زمن إدارة بوش الابن الأولى، تتعلق بالعاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي كان آنذاك ولياً للعهد. فقد أدى عدم اكتراث بوش المتعنت تجاه حقوق الفلسطينيين، وسياسات إدارته التي أثرت على حقوق العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، وغزوه الكارثي للعراق، إلى توتر العلاقات الأميركية السعودية. وقد كانت المملكة، على رغم إدراكها لأهمية الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في حماية المنطقة من تهديدات إيران، في حالة حيرة. وفي مرحلة ما، أخبر ولي العهد السعودي آنذاك بوش بأنه إذا أصرت واشنطن على تجاهل المخاوف العربية، فإن السعودية ربما تشعر بأنها مجبرة على المضي قدماً بصورة أحادية. ولم تكن المملكة ترغب في اتخاذ هذه الخطوة، ولكنها كانت نتاج الشعور بخيبة الأمل تجاه السياسات الأميركية، والتكلفة المرتفعة بشكل كبير التي تجلبها في الداخل. وعشية انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2004، تلقيت اتصالاً من أحد أصدقائي كان يعمل مستشاراً لولي العهد السعودي آنذاك عبدالله بن عبدالعزيز. وسألني باهتمام حول ما إذا كانت الأخبار التي سمعها صحيحة، والتي تفيد بأن الديمقراطي «جون كيري» يتجه للفوز على شاغل المنصب «جورج بوش». واندهشت وسألته عما إذا كان يؤيد «كيري». وأخبرته: «بأن كيري كان ينتقد المملكة بشدة، في حين يزعم بوش أنه صديق للسعودية». فرد قائلاً، بعد أن أكد أنه يتحدث عن رأيه الشخصي، وليس رأي رئيسه: «أتصور أنه من الأفضل لنا أن يكون الرئيس الأميركي يكرهنا على أن يكون مكروهاً لشعبنا!». وأثناء الأعوام الـ16 الأخيرة، شهدت العلاقات الأميركية العربية حالة من الاضطراب الشديد، بداية من مغامرات إدارة بوش، التي مضت من الإهمال إلى حرب مزعزعة للاستقرار، ثم الترويج المضلل لديمقراطية اعتمدت على الأيديولوجية وليس الواقع. ولم تنجح إدارة أوباما سوى في زيادة الإحباط العربي. وبدأت بوعود براقة انتهت بفشل ذريع اقترن بعدد من الأخطاء، حكم عليها بأنها كانت مخيبة للآمال. وبحلول عام 2016، كانت المنطقة العربية في حالة من الاضطراب، والعلاقات الأميركية العربية تشارف على الانهيار، بفعل حرب العراق الفاشلة، وتبعاتها الخطيرة التي دفعت تلك الدولة إلى حرب أهلية طويلة الأمد، وإطلاق العنان لإيران كي تصبح قوة تهديد في المنطقة، وتردد الجيش الأميركي والأميركيين في خوض الحرب والحذر من التورط في صراعات جديدة، إلى جانب توسيع روسيا نفوذها في الشرق الأوسط، وحصول الحركات المتطرفة على ملاذات وتضخمها في المنطقة. ولذا شعر حلفاء أميركا بأنها قد تخلت عنهم، وأنهم مضطرون إلى التصرف بأنفسهم من أجل الدفاع عن مصالحهم في مواجهة المؤامرات الإيرانية. ومع انتخابات عام 2016، كان العرب يأملون أن تسفر عن نتيجة تصحح الأوضاع، إذ يريدون شريكاً يتعاون معهم على ضمان أمن واستقرار المنطقة.. أي شريكاً يحترم الشعوب العربية وتحترمه. ومنذ بدايتها وحتى الآن، لا يبدو أن إدارة ترامب تمثل ذلك الشريك. فترامب تحدث بقوة عن اجتثاث التطرف وكبح جماح إيران، ولكن وكثيراً من مستشاريه، قرنوا ذلك بتصريحات وسياسات معادية للمسلمين تسببت في أن يشكره «داعش» و«القاعدة» والآن المرشد الإيراني!