لا يكاد يمر يوم تقريباً منذ تولي رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب مهامه إلا ونجده في حالة تصادم مع شريحة ما من المجتمع الأميركي أو الدولي، فهو في حالة نزاع متجدد مع القضاء والإعلام والفن والاتحاد الأوروبي ورعايا دول إسلامية وعلماء علم النفس الذين وصفوه «بالمريض نفسياً» وتحديداً أنه مصاب بمرض «النرجسية الخبيثة» وتنبؤوا بإمكانية إزاحته عن سدة الرئاسة بسبب هذا المرض، بل بلغ الأمر ذروته أن قامت حكومة أستراليا بطباعة «ممسحة أقدام» وعليها وجه الرئيس الأميركي، وذلك في أقوى رد فعل من دولة حليفة للولايات المتحدة الأميركية بعيد قيام «ترامب» بإغلاق الهاتف في وجه رئيس الوزراء الأسترالي أثناء محادثة هاتفية بينهما مؤخراً. واللافت للنظر أن هذه الحال هي استمرار لنفس الأوضاع التي مر بها ترامب مع الشعب الأميركي وبعض شعوب العالم أثناء حملته للفوز برئاسة الولايات المتحدة الأميركية وليصبح أول رئيس أميركي من دون خلفية عسكرية أو حكومية. وبالتالي، في وجهة نظري، ما يمر به ترامب حالياً مع المحيط الداخلي والخارجي هو حالة طبيعية ناشئة عن مرتكزات ووعود الحملة الانتخابية، وإلا لو كان ظهر لنا ترامب بوجه مختلف عن ما كان عليه أثناء الانتخابات الرئاسية لكان التصادم مع كل أطياف الشعب الأميركي وليس مع شرائح محددة. فمن منا لا يتذكر تصادم ترامب مع كل من حزبه «الجمهوري» والحزب «الديموقراطي» والمسلمين سواء الأميركيين أو في بقية دول العالم‏? ?والدولة ?الجارة ?المكسيك ?وإيران ?والصين ?والاتحاد ?الأوروبي ?وغيرهم ?حتى ?تخيل ?البعض ?أنه ?لو ?اكتشف ?رواد ?فضاء ?وجود ?حياة ?على ?كوكب ?آخر ?لوجدوا ?أن سكان ?هذا ?الكوكب ?على ?خلاف ?أيضاً ?مع ?ترامب. والآن، وبعد تولي ترامب سدة الرئاسة في البيت الأبيض، نجد استمرار حالة التصادم مع الفئات نفسها. وهنا لا بد لنا أن نتذكر خلفية ترامب وتاريخه في عالم التجارة والشركات سواء داخل أو خارج الولايات المتحدة الأميركية وبأنه كلما زادت الضغوط عليه زادت عزيمته وتعاظمت طاقته وحيويته لمواجهة الضغوط والتغلب عليها لقناعته الشخصية بأنه في حرب أمام ضمان استمرار «شركته الخاصة» في السوق وتحقيق الأرباح. وبالتالي فإن ترامب لا يخشى المواجهات والانتقادات والنزاعات القضائية، بل والفضائح الشخصية، لأنه يمر بنفس الأوضاع تقريباً منذ عام 1971 عندما تولى إدارة شركات المقاولات وإدارة العقارات المملوكة لعائلته، والتي كانت تُسمى «شركات إليزابيث ترامب وولدها» ثم قام بتغيير الاسم لاحقاً إلى «مؤسسة ترامب». وخلال الفترة من 1971 وحتى عام 2015، كان ترامب صانع ومتخذ القرار في «إمبراطوريته»، وهنا نستطيع استيعاب قراره مثلاً بإقالة القائمة بأعمال وزير العدل، والتي رفضت تنفيذ قراراته التنفيذية المتعلقة بمنع رعايا 7 دول من دخول الولايات المتحدة الأميركية، وتلا ذلك بساعة واحدة إقالته لمسؤول كبير في وكالة إدارة الهجرة والجمارك، وبالتالي فإن ترامب ما زال يتعامل مع المسؤولين والوزراء في الحكومة الأميركية بنفس المنطق والأسلوب الذي كان يتعامل بهما مع موظفي شركاته: التنفيذ أو الإقالة. ولقد كان فوز ترامب بمنصب الرئاسة يستند أيضاً على «دراسة الجدوى الاقتصادية»، التي قدمها للشعب الأميركي مرتكزاً على الأرقام والأرباح والإنجازات، التي سيعمل على تحقيقها في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها. إذن، فالعالم يشهد الآن رئيس أقوى دولة في العالم من نوع مختلف لا يمت بصلة للأسس والمرتكزات السياسية أو البروتوكول الدبلوماسي، بل رئيس يتعامل مع دولته بمنطق إدارة الشركات ومع العالم بأسلوب إلحاق أكبر الأضرار بمنافسيه والإبقاء على «شركته» في الطليعة، فهل سيستطيع العالم التعايش مع هذه المدرسة الجديدة في الرئاسة لمدة أربع سنوات قادمة؟ وكيف؟ أعتقد أن العالم ما زال يبحث عن الإجابة.