على هامش دورة الأمانة العامة لـ«اتحاد الأدباء والكتاب العرب» في الجزائر، ما بين 12 و14 فبراير الجاري، عقدت ندوة مرافقة تحت عنوان «تجلِّيات ثقافة المقاومة في الأدب العربي المعاصر»، وحملت الدورة اسم شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء، طرحت في خمس جلسات، تركزت معظمها عن المقاومة في الأدب والفكر خاصة في الفترة الاستعمارية، من خلال أوراق قدمها باحثون من كل الوفود المشاركة. ورغم أن معظم الأوراق المقدمة في جلسات الندوة سيطر عليها أمران، الأول: الزمن الماضي، والاستغراق في التاريخ، وما يتبع ذلك من نظرة أحادية تختصر المقاومة في العمل العسكري لأجل تحرير الأوطان، والأمر الثاني: اختصار الإبداع في أدب المقاومة، فيه كثير من الشعر والنثر، وقليل من إشكاليات المعرفة والإبستمولوجيا، رغم هذا إلا أن سؤالاً ظل يطارد المشاركين مع أنه نابع منهم، وهو في جوهره ابن الحاضر وليس الماضي: كيف نقاوم وضعنا الحالي للخروج من التخلف، ومحاربة الإرهاب، وجمع شتات الأمة؟، ولم تقدم إجابات آنية في انتظار ما سيسفر عنه الغد القريب من تطورات. السؤال السابق، تراكم مع الوقت نتيجة تبدُّل الأحوال، والفشل في تحقيق مشاريع وطموحات وآمال الدولة الوطنية، وأيضا نتيجة عودة المستعمر السابق بوجه جديد، لذلك فإن الإجابة عليه، تتطلب تأطيراً معرفياً، تكون بدايته مع إعادة النظر في مرجعية المقاومة ذاتها، وهو ما طرحه الكاتب والدبلوماسي الإماراتي. د. يوسف الحسن في ورقته التي حملت عنوان: «التَّجلِّيات الأخرى للمقاومة»، وقد كشف فيها عن قضيتين أساسيتين، الأولى: «أنه في تجربة استقلال الجزائر كانت فكرة مقاومة المحتل الفرنسي، هي الأكثر مشروعية، وفاعلية، كما انحازت قامات فكرية فكرية وأدبية وفنية عربية وعالمية، وجماهير عريضة إلى فكرة المقاومة، ونشر الوعي بها..»، والثانية: «أن هناك تراثاً عميقاً ومفصلاً عن ثقافة المقاومة تمثَّل في صدور المئات من الكتاب والإبداعات الأدبية والفنية، وعبر نصف قرن مضى، عمل كُتّاب وأدباء ومفكرون على الإمساك بمادة المقاومة، يجادلونها لكي تتطور وتستدام وتبقى». التجربة الجزائرية في المقاومة من جهة، وتوفر تراث عميق ومتنوع عن ثقافة المقاومة، لم يعودا كافيين من وجهة نظر يوسف الحسن، لهذا يقدم اجتهاده الخاص، مخاطباً الكتب والأدباء العرب، طارحاً خمسة مرتكزات لإحداث التغيير في دلالة وفاعلية المقاومة، وهي: مقاومة الكذب حول ما نعرف، بمعنى خدمة الحقيقة قبل خدمة الحرية، أو على الأقل عدم التحول إلى شاهد زور. ومقاومة الشغف المرضي بالسلطة عند النخب السياسية. ومقاومة ثقافة الفساد والقبح والظلامية في الخطاب المدني والديني. والعمل على تعزيز ثقافة التسامح والمواطنة وتماسك النسيج المجتمعي. ومقاومة النفخ في غرائز الهويات الفرعية من دينية وطائفية وإثنية. الفكرة السابقة تفي بما يسعى إليه معظم الدول العربية، وخاصة الإمارات، وهو العمل من أجل استمرارية المقاومة، لكن بمتطلبات العصر، وبحاجة كل دولة عربية إليها، على اعتبار أن المقاومة كما ذكر يوسف الحسن هي استجابة واعية لتحديات الواقع والمستقبل، وثقافتها تمثل «التجاوز». وبغض النظر عن ثقافة المقاومة وتطورها، فإن «الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب» وربما من غير قصد اخترق على مستوى التنظير على الأقل الطرح السياسي لما يعرف لسنوات بفريق المقاطعة وفريق الممانعة، وأعطى لثقافة المقاومة معنى آخر، جمع من خلاله كل العرب، وهو ما اتضح في الأوراق المقدمة، حتى لو ظلت الجزائر مستنجدة بالتاريخ لمواجهة الواقع.