تبدو بعض الدول العربية بحاجة أشد اليوم إلى مجتمع مدني فاعل يحقق أكبر مساهمة ممكنة في «الأمن الاجتماعي» لمواطنيها، عبر تحديد واضح ودقيق لأهداف المجتمع المدني ووظائفه، وخروجه من دوامة خلط الأدوار التي زجت الكثير من منظماته بنفسها فيها. وإذا كان من أبرز الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة نشوء مجتمع مدني قوي، فلابد من تنشيط دور المجتمع المدني العربي في توفير «الأمن الاجتماعي» بكل ما تعنيه هذه الوظيفة من تحسين لأحوال المواطنين ثقافياً وتربوياً وصحياً وروحياً واجتماعياً، وهو ما تقره معظم التشريعات العربية في تنظيمها للمجتمع المدني المعاصر. وفي هذا السياق، ثمة مجموعة من المحاور الأساسية التي تستحق البحث والدراسة حتى تصل الدول العربية إلى مجتمع مدني ناضج قادر على تحقيق دوره الاجتماعي الإنمائي، ومن أبرز هذه المحاور أولًا: مفهوم الأمن الاجتماعي كركيزة من ركائز الأمن القومي للدولة، ورافد من روافد القوة الناعمة لها. ثانياً: وضع تصنيف واضح يشمل خصائص ومواصفات منظمات المجتمع المدني التي يمكنها أن تقوم بدور «الأمن الاجتماعي» في العالم العربي، سواء كانت هذه المنظمات تعمل على مستوى قطري، أم على مستوى جمعي عربي. والهدف هنا هو تعزيز دور المؤسسات ذات الاتجاه التنموي على ساحة العمل الأهلي العربي على المستويين الكمي والنوعي، وتطوير فلسفة العمل الأهلي، وتدعيم آليات عمل جديدة تقوم في إطار من المحاسبية والشفافية، وتكييف نمط فاعل من المشاركة مع الحكومات الوطنية والمنظمات الإقليمية والدولية. ثالثاً: دور الجامعة العربية في تنمية روح العمل الأهلي الطوعي داخل الدول العربية، واستعراض مبادرات الجامعة في هذا الإطار، سواء تعلق الأمر بالعمل العربي المشترك في مجالات مثل دعم دور المرأة، أو تأسيس مجتمع للمعرفة، أو التوجه نحو مبادرات جماعية لمواجهة بعض الكوارث على سبيل المثال، إضافة إلى مبادرات الجامعة على صعيد التعاون الثقافي، أو إقامة جسور للحوار والتعاون بين مؤسسات المجتمع المدني في البلدان العربية. رابعاً: الوقوف عند دراسة حالات ناجحة بكل قطر عربي لمنظمات مجتمع مدني نجحت في لعب دورها التنموي وتحقيق درجة كبيرة من الأمن الاجتماعي أو حل بعض المشكلات المجتمعية القائمة. خامساً: الوقوف بشكل جدي على حقيقة التباينات القائمة بين الدول العربية في هذا المجال، وبيان الأولويات التي تحتاجها كل دولة مقارنة بغيرها، حتى لا تذهب الجهود سدى. وعلى سبيل المثال، ففي دولة مثل السودان نلاحظ توجه جهود المجتمع المدني إلى مواجهة آثار الحرب في الجنوب، ولقضايا مثل الجفاف والتصحر واللاجئين والأمن الغذائي. وهذا يختلف عن دول عربية أخرى مثل فلسطين التي تحتاج لمجتمع مدني يكون غرضه الأول تعزيز التنمية، والمساهمة في تحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي، ودعم الركيزة الاجتماعية للمقاومة المدنية والصمود. وفي دول أخرى ربما يكون الدور الثقافي للمجتمع المدني هو الأكثر بروزاً، وفي دول غيرها تكون قضايا البطالة والبحث عن حلول لمشكلات النساء والشباب هي همها الأول. ولا يعني ذلك بالطبع تحديد نشاط معين داخل كل دولة، لأن هذه الأنشطة بينها درجة كبيرة من التشابك، ولا يمكن فصل بعضها عن بعض آخر، ولكن المستهدف هو الوقوف على أولويات يمكن البناء عليها حتى تتحقق أقصى درجة ملائمة من الأمن الاجتماعي بالمعنى الصحيح. سادساً: البحث عن سبل عملية وواقعية لتعزيز التفاعل بين المجتمع المدني العربي والمجتمع المدني الدولي، وبشكل لا يخل بما تبغيه الدول العربية من حفظ للسلم الاجتماعي والأمن القومي. وهنا يجب البحث عن سبل جديدة للرقابة والمحاسبة والشفافية، سواء في طبيعة النشاط، أو مصادر التمويل، وأوجه إنفاقها، بل ودرجة تحقيق الأهداف المنشودة منها. سابعاً: المجتمع المدني وتوفير شبكات للأمن الاجتماعي العربي لمواجهة الأزمات والكوارث الطبيعية، ومواجهة الأمراض، والأزمات الاجتماعية، أي الأمور التي تتعلق بالدور العوني الإغاثي والإنساني... إلخ. ثامناً: دور منظمات المجتمع المدني في مجالات الرعاية الصحية والاجتماعية، إضافة إلى الدور التثقيفي والأخلاقي والتربوي، وحماية البيئة، وحقوق المرأة والطفل، ومحو الأمية ومكافحة الفقر. تاسعاً: دور منظمات المجتمع المدني في تعزيز السلم الاجتماعي، ونشر ثقافة التسامح بالمجتمع. وهنا تبرز أهمية تناول دور العبادة، وما ينبثق عنها من جمعيات لا تفرق في تقديم خدماتها بين المواطنين على أي أساس عرقياً كان أم دينياً. عاشراً: مدى وجود قاعدة بيانات تشمل أبرز التطورات على صعيد حركة المجتمع المدني العربي. ويتضمن ذلك التشريعات والقوانين التي تسهل عمل هذه المنظمات داخل كل دولة عربية.