بدأ دونالد ترامب يفهم الحقيقة التي تفيد بأن الصعوبة الكامنة في أن يصبح المرء رئيساً للولايات المتحدة تختلف كثيراً عن مهمة لعب دور مرشح يقود حملته الانتخابية ضد مؤسسات ولاعبين أصبح محتوماً عليه أن يتعامل معهم الآن. وأثبتت الأسابيع الثلاثة الأولى التي انقضت على وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أنه وفريقه اقترفوا أخطاء كبيرة في الحكم، كانت تكلفتها باهظة من حيث تأثيرها على الرأي العام. وكانت الأوامر التنفيذية غيرُ مكتملةِ الإعداد حول الهجرة والإرهاب، قد ووجهت بالرفض من المحاكم الفيدرالية، حتى وجد ترامب نفسه أمام خيارين، فإما أن يعمل على إلغائها ويبدأ بإعداد أوامر جديدة، أو أن يفتح الباب أمام تحدٍّ قانوني مضيّع للوقت، وربما يصل إلى حد المواجهة الحاسمة مع المحكمة العليا. وكان من الممكن تجنب هذا الفشل الذريع لو سعى فريقه إلى دراسة وتفحص الأمر في صيغته الأولى والتحاور حول تداعياته المحتملة على كل الوكالات والدوائر المهمة في الحكومة الفيدرالية والكونجرس. وقد أصبح كل مهاجر أو أي شخص يستعد للذهاب إلى الولايات المتحدة، يعيش في دوامة من الفوضى والقلق فيما يتعلق بوضعه النهائي في أميركا لو كان آتياً للإقامة أو لزيارة الأقرباء أو كعامل، وما إذا كان سيسمح له بدخول أميركا أم لا. ويتجاوز القلق حدود الدول الإسلامية السبع المدونة في صيغة الأمر الأصلي. ويعود أحد أسباب ذلك إلى أنه بالإضافة إلى الارتباك الذي ينطوي عليه الأمر التنفيذي الأصلي الذي أصدره ترامب، فإن «الوكالة الأميركية للهجرة والجمارك» بدأت بالفعل بتجميع المهاجرين غير الشرعيين من ذوي الجنسيات المختلفة وبشكل خاص مواطني دول أميركا اللاتينية وإبعادهم بأسلوب قسري لم نشهد له مثيلاً أثناء إدارة الرئيس أوباما. وبهذا أصبح المهاجرون من أصل لاتيني وأولئك الذين أتوا من دول إسلامية يعانون الخوف من أن يكونوا ضمن قائمة المهيئين للطرد التي أعدّها ترامب. وفي هذا الوقت، زادت حدة ووتيرة المظاهرات خلال الأسابيع القليلة الماضية ضد اقتراحات ترامب بتخفيض حجم القوى العاملة على المستوى الفيدرالي، وهي الاقتراحات التي تأتي ضمن خطط تهدف إلى تحجيم الحظوظ الانتخابية للأقليات، فضلاً عن إيقاف العمل بقانون الرعاية الصحية وقانون الأبوّة وإزالة بعض القيود البيئية المتعلقة بقانون التلوث الذي اقترحته إدارة الرئيس أوباما. وعلى جبهة السياسة الخارجية، استقبل ترامب رئيس وزراء اليابان شينزو آبي في واشنطن وفلوريدا على أمل إقناعه بأن الولايات المتحدة لا زالت متمسكة بتعهداتها الدفاعية لليابان بنسبة 100%، وذكّره بأن الولايات المتحدة لا تطلب من اليابان بناء أسلحتها النووية الذاتية، متراجعاً بذلك عما سبق أن قاله أثناء حملته الانتخابية. ويوم السبت 12 فبراير، أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً بالستياً متوسط المدى في بحر اليابان، في الوقت الذي كان فيه آبي يتناول طعام الغداء مع ترامب، وكان لهذا الحدث أن يمثل بالنسبة لترامب فرصة سانحة لإعادة تأكيد عزمه على حماية اليابان والاهتمام بالخطر الذي تشكله كوريا الشمالية على السلام في المنطقة. وربما تكون قضية الصاروخ الكوري أول أزمة تواجهها إدارة ترامب على مستوى السياسة الخارجية. ويستعد عدد كبير من رؤساء دول العالم لزيارة واشنطن للوقوف على حقيقة الاهتمامات السياسية للرئيس ترامب، وقد فعل ذلك بالفعل كل من رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، ورئيس وزراء كندا جستن ترودو، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، ولكل منهم أجندته التي أراد أو يريد مناقشة مضامينها مع ترامب. ويتخوف ترودو من أن تؤدي معارضة ترامب لاتفاقية «منطقة التجارة الحرة لدول شمال أميركا» للإضرار بالصادرات الكندية وبالعلاقات الاقتصادية والسياسية المتينة بين الولايات المتحدة وكندا. أما نتنياهو فيعلق آمالاً كبيرة على ترامب، بعد أن تردّت العلاقات بينه وبين الرئيس السابق باراك أوباما. إلا أن إدارة ترامب أرسلت إشارات مختلطة لإسرائيل على خلفية النشاطات الاستيطانية الأخيرة والوعد الذي أطلقه ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس خلال حملته الانتخابية. ويضاف إلى ذلك أن إدارة ترامب تتخذ موقفاً صارماً حيال إيران أثبتته العقوبات الجديدة التي فرضتها على بعض الجهات الإيرانية، وهو ما يريد نتنياهو أن يسمعه مباشرة، إلا أن الإدارة كانت حريصة جداً على تجنب الدعوة لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، لأن بقية الموقعين عليه يعتقدون أنه يؤدي عمله على نحو سليم. ورغم أن ترامب يمتلك الآن عدة خيارات جيدة لإدارة الشؤون الأميركية، وخاصة في مجال الدفاع والأمن الوطني، فإنه لم يُكمل التعيينات الوظيفية المهمة المتبقية في وزارة الخارجية التي تقود العلاقات الدبلوماسية، وخاصة فيما يتعلق بإجراء الاتصالات اليومية مع المسؤولين في الدول الصديقة، وإلى أن يتم ملء هذه الفراغات الوظيفية، سوف يواصل ترامب العمل مع «حكومة الهيكل»، وهو ما لا يندرج ضمن الأخبار الطيبة بالنسبة له أو للحلفاء الذين يخافون من طبيعة السلوك المقبل لأميركا والذين يتوزعون عبر العالم.