منذ أحداث فضيحة «ووترجيت» الشائنة التي تورط فيها الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي، وحتى الآن، لا يزال السؤال المطروح في مثل هذه الحالات: «ما الذي كان يعرفه الرئيس، ومتى عرفه؟». واليوم يُطرح السؤال نفسه من جديد. ولا يتعلق الأمر اليوم بمايك فلين المستقيل، بل بالرئيس الذي وظّفه، وهو الذي كان يفكر في تسميته لمنصب نائب الرئيس. ولا بد لما أثير مؤخراً حول اتصالات متكررة بين فريق ترامب ودوائر المخابرات الروسية أن يوقظ الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. وعندما ووجه نائب الرئيس مايك بينس بسؤال من «كريس والاش» الإعلامية في قناة «فوكس نيوز» يوم 15 يناير الماضي عما إذا كانت هناك أي اتصالات بين حملة ترامب والكرملين، أجاب: «بالطبع لا، لماذا نجري مثل هذه الاتصالات؟». وهذا سؤال عظيم يأتينا هذه المرة من نائب الرئيس. وأنا أقول لبينس: انظر، هناك صفقة كبرى لا ندري بها، ولكننا نعلم أن التدخل الروسي في انتخاباتنا هو في الحقيقة فضيحة أكبر وأخطر من «ووترجيت». وذلك لأن «ووترجيت» لم تغيّر نتيجة الانتخابات، وكان ريتشارد نيكسون قد فاز في انتخابات عام 1972 على رغم الأصداء الأولى للفضيحة. وعندما اقتربت الانتخابات الرئاسية لعام 2016 من لحظة الحسم يُحتمل أن يكون الروس قد تدخلوا لتغيير حالة التوازن التي كانت قائمة بين المرشحين (ترامب وكلينتون). ولا ندري ما إذا كان الروس قد حصلوا على بعض الدعم من أوساط الأميركيين ذاتهم في إطار محاولتهم لسرقة الانتخابات الأميركية، ولكنني أقدم هنا بعض النقاط التي قد تثبت حدوث الاتصال. أولاً: أقرّت الوكالات الاستخبارية الأميركية بتدخل الكرملين خلال الحملة الانتخابية في محاولة منه لمساعدة دونالد ترامب. وهذه الحقيقة لا تمثل مجرد استنتاج استخباراتي لوكالة منفردة، بل يقال إنه أصبح يشكل «دليلاً قوياً» تتداوله أوساط وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي وبقية الدوائر الاستخبارية الأميركية. ثانياً: يؤكد ملف قام بإعداده أحد رجال المخابرات الروسية حدوث تواطؤ بين حملة ترامب وروسيا. وقالت قناة «س إن إن» الإخبارية الأميركية إن المخابرات الأميركية تمتلك وقائع التنصت على اتصالات تثبت ما ورد في الملف. ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن مسؤولين أميركيين قالوا لصحيفة «تايمز» إنهم لم يعثروا على الدليل الذي يؤكد وجود تعاون وتنسيق مع الروس فيما يتعلق بسير الانتخابات. ثالثاً: يخفي الرئيس ترامب مشاعر صداقة غامضة تربطه بروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين. وكما قال مسؤول الاستخبارات جيفري سميث من وكالة المخابرات المركزية، فإن: «الموضوع الأهم هنا يتعلق بالسبب الذي يجعل ترامب والزمرة المحيطة به يتخذون مثل هذه المواقف اللافتة حيال روسيا لتخرج بذلك عن النسق العام الذي كان قائماً لعدة عقود. ونحن لا نعرف الجواب عن هذا السؤال». رابعاً: قبل أن يتقلد فلين منصبه الجديد، عمد إلى مناقشة العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما على روسيا مع السفير الروسي في واشنطن. والآن، استقال فلين، ولكن السؤال المهم هو: هل استقال أم أقيل؟. يقول دانييل بنيامين منسق عمليات مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، الذي عرف فلين لبضع سنوات، إن ما فعله فلين لا يتفق مع شخصيته. فمن الذي دفع فلين لإجراء هذه المكالمات؟، هل هو ستيف بانون؟ أم ترامب ذاته؟ والآن نعود إلى سؤالنا: ما الذي يعرفه الرئيس، ومتى عرفه؟ يقول مؤيدو ترامب إن الفضيحة الأساسية هنا تتعلق بتسريبات جعلت الإدارة تظهر بمظهر سيئ. وبالطبع، فالتسريبات تكون دائماً أمراً يثير القلق والخوف، إلا أنها قد لا تعني شيئاً عندما يتعلق الأمر بنزاهة القادة وعدالة الانتخابات ذاتها. وقد نقلت تقارير نشرت مؤخراً عن بعض رجال المخابرات خوفهم من أن يكون مصير المعلومات التي يقدمونها إلى البيت الأبيض هو الوقوع في أيادي الروس في نهاية المطاف، على رغم ما يشاع من أن «الكرملين له آذان» داخل غرفة العمليات في البيت الأبيض. وقد سبق لي أن وصفت ترامب العام الماضي بأنه «صنيعة الروس» لأننا كنا نعلم منذ سنوات عديدة بزخم العلاقات المالية لترامب مع روسيا حتى قال ابنه «دونالد الابن» عام 2008: «لقد شاهدنا كيف كانت الأموال تتقاطر علينا من روسيا». وقال مايكل ماكفول السفير الأميركي السابق في روسيا: «لقد شعرت بالذعر عندما لاحظت قلّة أعداد الناس الذين اهتموا بخبر التدخل الروسي في انتخاباتنا الرئاسية. وكان من الواضح تماماً أن هذا التدخل كان يصب في مصلحة مرشح وحيد. فهل هناك شيء أكثر أهمية من هذا؟». وأنا أجيبه عن الشق الأخير من سؤاله فأقول: «نعم هناك ما هو أخطر، وهو أن يحظى الروس بالتعاون والدعم من داخل الولايات المتحدة نفسها». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»