بعد استقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين الأسبوع الماضي، واعتذارات الأيام الأخيرة عن مناصب في الإدارة الجديدة، ها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب يثير الجدل مجدداً بتعييناته واختياراته لشاغلي المناصب العليا عقب تنصيب «سكوت برويت» رئيساً جديداً لوكالة حماية البيئة. فقد أدى «برويت» القسم في منصبه الجديد، بعد موافقة مجلس الشيوخ على ترشيحه لتولي المنصب، يوم الجمعة الماضي، حيث أكد المجلس على الترشيح بأغلبية 52 مقابل 46 صوتاً، ولم يعارضه من الجمهوريين سوى «سوزان كولينز» التي صوتت ضده، فضلا عن «جون ماكين» و«جو دونلي» اللذين امتنعا عن التصويت. «سكوت برويت» محام وسياسي جمهوري من ولاية أوكلاهوما، شغل منصب المدعي العام للولاية منذ عام 2010، وعارض العديد من القوانين التي سُنَّت في عهد الرئيس أوباما، لاسيما قوانين الإجهاض والزواج المثلي والرعاية الصحية، كما ناهض قوانين حماية البيئية وبات «أبرز معارض لأجندة عمل وكالة حماية البيئة»، كما وصف نفسه، لكنه الآن يترأسها ! ولد «ادوارد سكوت برويت عام 1968 في دانفيل بولاية كنتاكي، لكنه غادرها وكان لا يزال طفلا مع عائلته إلى ليكسينغتون في الولاية ذاتها. وهناك أظهر ولعاً بكرة القدم والبيسبول، فشجعته جامعة كنتاكي بإعطائه منحة دراسية فيها، حيث تخرج بشهادة البكلوريوس في العلوم السياسية والاتصالات عام 1990. ثم انتقل إلى «تولسا» بأوكلاهوما ليحصل من جامعة تولسا على شهادة الدكتوراه في القانون عام 1993. وفي تولسا أصبح محامياً متخصصاً في القانون الدستوري والعقود وقانون التأمين وقانون العمل والتقاضي والطعون. وبعد خمس سنوات من المحاماة، انتخب برويت لمجلس شيوخ أوكلاهوما ممثلا عن مقاطعة تولسا في عام 1998، ثم عن مقاطعة واجنر في عام 2002. ومن عام 2003 وحتى انتخابه مدعياً عاماً لأوكلاهوما في عام 2010، كان برويت شريكاً ومالكاً ومديراً عاماً لنادي مدينة أوكلاهوما للبيسبول «ردهاوكس»، وهو يعتز بأن النادي خلال فترة إدارته له كان أحد أبطال الدوري، كما حقق أعلى رقم للمبيعات (التذاكر والبضائع الحاملة لاسمه). وبعد انتخابه لمنصب المدعي العام لولاية أوكلاهما عام 2010، كان أول قرار اتخذه برويت حلّ وحدة حماية البيئة في مكتب المدعي العام، قائلا فيما بعد إنها «لم تكن فعالة»، وإنه قام بصرف المحامين العاملين فيها، على اعتبار أن وزارة جودة البيئة في الولاية هي المعني بتنفيذ وتطبيق قوانين البيئة. ثم أنشأ برويت في مكتبه وحدة مكرّسةً لمحاربة أجندة الرئيس أوباما ومقاضاتها فيما يتصل بسياسات الطاقة والهجرة، وقانون الرعاية الصحية، وإصلاح وول ستريت، وحماية المستهلك. وبالفعل فقد رفع برويت دعاوى قضائية بلغ عددها 14 قضية ضد وكالة حماية البيئة وحدها، لمنع خططها في مجال الطاقة النظيفة والمياه، بذريعة أن أوكلاهوما تتحمل أعباء إضافية غير عادلة فيما يخص سياسة حماية النباتات وإنهاء استخدام الفحم الحجري. لكن برويت خسر كل الدعاوى القضائية التي حركها ضد الوكالة. غير أن هذه الدعاوى منحته صيتاً كبيراً في أوساط اليمين، وساعدته على أن يصبح رئيس جمعية المحامين الجمهوريين، كما استطاع جمع التبرعات لصالح حملته من أجل صناعة الطاقة، حيث ساهمت شركات النفط والغاز بأكثر من 300 ألف دولار في حملات برويت خلال السنوات الخمس الماضية الأخيرة. ولعل القضية الأخرى التي استأثرت باهتمام برويت هي الإجهاض ومحاولة منعه وتقييد السماح به. فقد أيد توجه السلطة التشريعية لأوكلاهوما في عام 2013 نحو الانضمام لأربع ولايات أخرى في محاولة للحد من عمليات الإجهاض. وبعد أن أيدت المحكمة العليا حكماً قضائياً بعدم دستورية قانون منع الإجهاض، طالب برويت المحكمة بإعادة النظر في حكمها. وأعرب عن استيائه عندما قبلت المحكمة الاتحادية، في 2014، الطعن على التشريع الذي أقره كونجرس أوكلاهوما عام 2004، والذي يعرف الزواج بأنه علاقة تربط رجلا واحداً بامرأة، وقال إن قبول الطعن يعد مخالفةً لدستور الولايات المتحدة. وعقب تعليق المحكمة العليا في أوكلاهوما قانونَين مقيديْن للإجهاض، في نوفمبر 2014، في انتظار البت بشأن دستوريتهما، أعلن برويت نيته الاستمرار في إنفاذهما. وكما رفع برويت دعوى قضائية في عام 2013، تستهدف قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة، فقد رفع في العام التالي دعوى قضائية لصالح منتجي البيض ضد جمعيات الرفق بالحيوانات، لكن القاضي رفضها معتبراً أن برويت وغيره من المدعين الآخرين يمثلون مصالح المزارعين البِيض، وليس سكان الولاية ككل. وكانت جماعات البِيض أهم ناخبي الرئيس الجديد ترامب الذي أعلن في 7 ديسمبر 2016 نيته ترشيح برويت لترؤس وكالة حماية البيئة. وتم استعراض الترشيح في مجلس الشيوخ خلال جلسات استماع عقدتها لجنة الأشغال العامة والبيئة، قبل أن ينعقد المجلس بكامل أعضائه للتصويت على الترشيح يوم الجمعة الماضي. وتعليقاً على ترشيحه، قال برويت: «أنوي تشغيل هذه الوكالة بطريقة تعزز كلا من الحماية المسؤولة للبيئة والحرية للشركات الأميركية». لكن عدة جهات إعلامية وبيئية وحقوقية ويسارية، انتقدت بشدة تعيين برويت على رأس الوكالة، متهمةً إياه بإنكار التغير المناخي وظاهرة الاحتباس الحراري، وقد أوردت الصحف العديد من أقواله في هذا الصدد، مذكرةً بدعاواه القضائية لمحاربة الخطط واللوائح الرامية للحد من انبعاثات غاز الميثان والمشجعة للطاقة النظيفة، وكانت كلها ضد وكالة حماية البيئة، والتي اعتبر نفسه ذات يوم «مدافعاً رئيساً ضد جدول أعمالها». ورغم أن برويت حاول التملص من تلك الاتهامات، واعترف خلال جلسة تأكيد ترشيحه بأن «المناخ يتغير، والنشاط البشري يساهم في ذلك بطريقة ما»، فقد شبّه أحد منتقدي تعيينه على رأس الوكالة بـ«إسناد حراسة قن الدجاج إلى الثعلب»، مذكراً بـ«دفاعه عن أرباح كبار الملوثين على حساب الصحة العامة». وقال آخر إن سجل بروبت لا يمنحنا أي سبب للاعتقاد بأنه سوف يخضِع الملوِّثين للمساءلة أو إنفاذ القانون.. فهو لا يمكن أن يقوم بهذه المهمة». لكن أهم من ذلك أن محكمة في أوكلاهوما طالبت برويت، الخميس الماضي، بنشر الرسائل الإلكترونية التي تبادلها خلال السنوات الماضية مع مسؤولي شركات النفط والغاز، بحلول يوم غد الثلاثاء، مما يمكن أن يشكل إحراجاً آخر لإدارة ترامب، إذ لم يسبق لهذه الوكالة الحكومية المكلفة بحماية صحة الإنسان والبيئة، عبر وضع وإنفاذ القوانين ذات الصلة، أن ترأّسها مَن كان يعارض سياستها وفلسفة إنشائها. وقد تأسست الوكالة بمقترح من الرئيس نيكسون عام 1970، ويعمل بها اليوم نحو 16 ألف موظف، وتصل ميزانيتها 8.5 مليار دولار، ورئيسها يعد برتبة وزير.. لكن سجل برويت حافل بمعارضة واجباتها! محمد ولد المنى