في الوقت الذي تشكل فيه مكملات الفيتامينات (Vitamins Supplements)، العلاج الأساسي والرئيسي للأمراض الناتجة عن نقص هذا الفيتامين أو ذاك، لا يوجد دليل علمي كافٍ على أن تناول جرعات إضافية من الفيتامينات بالنسبة للأشخاص الأصحاء الذين لا يعانون من نقص محدد، يمكنه أن يحقق أية فائدة صحية تذكر. تلك هي الحكمة الطبية المتعارف عليها، والرأي السائد بين أفراد المجتمع الطبي، حسب الدراسات والأبحاث العلمية في هذا المجال. ولكن من وقت لآخر، أحياناً ما تُظهر بعض الدراسات، أن الجرعات الزائدة من الفيتامينات، قد تحقق فائدة في منع الإصابة ببعض الأمراض، أو على الأقل خفض احتمالات الإصابة. وأحدث تلك الدراسات أجراها علماء جامعة «كوين ماري» ببريطانيا، ونشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة (British Medical Journal). وخلصت هذه الدراسة إلى أن تناول جرعات من فيتامين «د» أو (D)، يمكنه أن يقي أكثر من ثلاثة ملايين شخص في بريطانيا وحدها من الإصابة بنزلات البرد، والإنفلونزا، وربما حتى الالتهاب الرئوي. ولم تصل هذه الدراسة إلى تلك النتيجة من خلال البحث في الأمر بشكل مباشر، أي على مجموعة من الأشخاص بأسلوب سريري، وإنما من خلال مراجعة نتائج 25 دراسة أخرى أجريت سابقاً على أكثر من 11 ألف شخص. وحسب القائمين على تلك الدراسة، وبافتراض أن عدد سكان بريطانيا يبلغ 65 مليوناً، يصاب 70 في المئة منهم بعدوى تنفسية حادة مرة واحدة على الأقل في السنة، وبناء على بيانات الدراسات السابقة التي تظهر أن من بين كل 33 شخصاً يتناولون جرعات مكملة من فيتامين «د» بشكل منتظم، تتحقق الوقاية لواحد فقط من بين هؤلاء من الإصابة بالعدوى التنفسية، يترجم كل هذا إلى إمكانية وقاية لـ3.3 مليون شخص سنوياً من خلال جرعات يومية من فيتامين «د». ومعدل الوقاية ذلك -شخص واحد فقط من بين كل 33 يتناولون المكملات- يعتبر أعلى من معدل الوقاية الذي يحققه التطعيم السنوي للإنفلونزا، والذي يحقق الوقاية لشخص واحد فقط من بين كل 40 شخصاً يتلقون التطعيم، وإن كان لابد من الأخذ في الاعتبار أن الإنفلونزا تعتبر حالة طبية أكثر وطأة وخطورة من نزلات البرد العادي. وحسب رأي الباحثين يتأتى هذا المفعول بسبب الوظيفة المزدوجة لفيتامين «د»، كونه مركباً مهماً لصحة العظام والأسنان، كما أنه أيضاً يحتفظ بدور مهم في فعالية وكفاءة جهاز المناعة. فعلى صعيد صحة العظام، يلعب فيتامين «د» دوراً أساسياً في تنظيم مستويات عنصري الكالسيوم والفوسفات في الجسم، اللذين يعتبران من العناصر الحيوية والضرورية لصحة العظام، والأسنان، والعضلات. ولذا في حالات النقص الشديد، يصاب الأطفال بالحالة المعروفة بالكساح، التي تظهر أعراضها في شكل ليونة العظام وضعفها، وتشوهها واعوجاجها أثناء النمو. أما لدى الكبار فيصاب البالغون بهشاشة العظام وليونتها، والتي تظهر أعراضها في شكل آلام في العضلات وسهولة تعرض العظام للكسر. والوظيفة الثانية لفيتامين «د» المرتبطة بموضوع الدراسة الأخيرة، أو قدرته على تحقيق الوقاية من العدوى التنفسية لدى بعض الأشخاص، تتأتى من بعض الدراسات التي تظهر أن جهاز المناعة ربما يعتمد على فيتامين «د» في تخليق وتصنيع أسلحة كيماوية مناعية، يستخدمها الجسم في مكافحة البكتيريا والفيروسات. وبغض النظر عما إذا كانت الدراسات اللاحقة ستثبت –أو تنفي- دور فيتامين «د» في الوقاية من البرد، والإنفلونزا، والالتهاب الرئوي، فإنه يظل من الفيتامينات الحيوية والمهمة، التي يعتبر نقصها من مشاكل الصحة العامة واسعة الانتشار. حيث يحصل الجسم على الجزء الأعظم من احتياجاته من فيتامين «د» من خلال الجلد، الذي يوظف أشعة الشمس المباشرة في عدة عمليات كيماوية معقدة لإنتاج الفيتامين. ولكن في ظل نمط الحياة العصرية، المتميز بالبقاء داخل أماكن مغلقة، سواء في المساكن، أو أماكن العمل والترفيه، أصبح قطاع كبير من أفراد المجتمع يعانون من نقص فيتامين «د»، وخصوصاً بين النساء اللواتي يملن لتغطية الجزء الأكبر من الجسم، بما في ذلك اليدين والوجه، لأسباب دينية أو ثقافية، وبين أطفال اليوم أيضاً، الذين أصبحوا يقضون السواد الأعظم من وقت اللعب داخل البيوت والأماكن المغلقة والمكيفة. وأمام هذا الوضع، والانتشار الواسع لنقص فيتامين «د»، شرعت بعض الدول في إضافته لأنواع مختلفة من الغذاء، وخصوصاً الحليب، وحبوب الإفطار. وإن كان ينبغي أن يوضع في الاعتبار أنه في الوقت الذي يشكل فيه نقص هذا الفيتامين مشاكل وتبعات صحية سلبية، فإن الإفراط في تناوله يسبب أيضاً تبعات صحية سلبية، من خلال ارتفاع مستوى الكالسيوم في الجسم، وهو ما قد يؤثر على القلب والكليتين.