أصبحت الأمور في العالم العربي مثيرة للانتباه والاستفزاز، بعد أن أصبح «الغرب» منصّة تطاول على سوريا، بمثابتها بلداً مفتوحاً من جميع المواقع التي أنتجها الغزاة من كل حدب وصوب، وراح يصح القول بأن هذا البلد تحول إلى «لعبة أمم» تقودها دول من الغرب وأخرى من الشرق! والملاحظ اللافت أن ذلك حوّل البلد المنكوب إلى بقعة تُجرب فيها كل الأسلحة، كما يتدخل فيها كل من تحدثه نفسه باسم «الإنسانية» والرغبة في تقديم العون له، العون العسكري والسياسي والاستراتيجي، إضافة إلى النصح الصادق والفاعل باتجاهات فتح المعقد والمركب في المسألة! واللافت في ذلك والمستطرف إلى درجة الاستفزاز أن يأتي ذلك النصح مرافقاً ومدجّجاً بالسلاح! أما فاعلية ما تقدمه تلك الأطراف «الخارجية» خصوصاً، فقد تبلورت في تعددية البلدان والمناطق، التي تقدم بوصف كونها «منصات عمل» ومواقف باتجاه البحث عن الجديد، الذي يشير إلى استجلاب «جديد»، خصوصاً على صعيد تعقيد المسائل والأمور والحلول، فكأننا أمام محاولات متكاثرة مع تكاثر الأطراف المشتركة في المواقف العامة والخاصة، وهذا يذكّر بما اقترحه أحد الباحثين الغربيين من حلول، حين أراد تذكير السوريين والعرب والعالم بما «لا يجوز أن يُنسى»! إنها «وخزة ضمير» يريدها لنا «الباحثون في شؤون سوريا»، فكأن الأمر يتلخص في أن السوريين عاجزون عن حل مشاكلهم، وهم -من ثم- بحاجة لمن يرعاهم في بلدان متعددة، وبحاجة لقدرة الآخرين على إنجاز مهماتهم! وفي هذا السياق، ينبغي التشديد على واقعة أن السوريين يجدون أنفسهم محوطين بـ«الآخرين»، كي يصلوا إلى انتصار أوّلي في معاركهم التي يجدون أنفسهم دون الإحاطة بحيثياتها وأوجهها المختلفة، فهم كإخوتهم من الشعوب العربية الأخرى ليسوا عاجزين عن إنجاز ذلك، بل ربما نشير إلى أن مسألة العجز في هذا السياق إن هي إلا وضعية زائفة ملفقة، قدمتها وعمّمتها مجموعات من المفكرين والباحثين المتمرسين خارج الوطن وأحياناً داخله. لقد ورد في كتاب «الشرق الأوسط والغرب» لبرنارد لويس ما يلي: «إن الغرب، وحده، هو الذي أعطى ولا يزال يعطي المشرق الإسلامي كل شيء، ليس آلات استخراج النفط فحسب، بل الأفكار حتى لو كانت معادية للغرب. إن الغرب هو الذي أعطى المشرق الإسلامي إمكانية معرفة ذاته. إن العالم الإسلامي يكره الثقافة الغربية، ولكنه يبجلها ويقلدها، ولا يستطيع إبداع مثلها». وهكذا يتضح «سرّ الموقف»: في الغرب كما في الشرق! ها هنا يتضح «المستور»، الذي مضت على كشفه عقود مديدة، بيد أن هذا الكشف الذي راح يُفصح عن نفسه، خصوصاً مع القرن التاسع عشر وما بعده، لم يثمر لدى المفكرين العرب إلا قليلاً، ونضيف إلى ذلك أن هذا «القليل» لم يثمر تحولات تاريخية خصبة وفاعلة على صعيد الواقع إلا قليلاً أيضاً، فقد جاءت الصراعات السياسية الضّحلة مترافقة مع الاتجاهات الانقلابية ضيقة الأفق والاستبدادية، إضافة إلى الأفق المبتذل في رؤيته للعلاقة بين الداخل والخارج. إن ذلك الخطاب الاستغرابي الاستعلائي لا يدع شيئاً خارج المذلة الذاتية والتاريخية، خصوصاً حين يُمعن في إذلال الشعوب الأخرى غير الغربية، مضيفاً واحدة من النكسات الكبرى، خصوصاً على الشعب السوري، وذلك باسم الأمانة للمعطيات التاريخية! ذلك كله كان جديراً بنا أن نطرحه في مناسبة عمل الشعوب «العليا» أو «المتعالية» على خلاص سوريا ونكبتها، ومثل تلك التدخلات الخارجية والعقليات الاستعلائية تعد في حد ذاتها من النكبات التي ألمت بالوطن السوري- العربي. والراهن أن تلك الشعوب «العليا» تصدّت لمأساة سوريا، حيث حوّلتها إلى مذبحة القرن، ولكن دروس التاريخ تخبرنا بأن الكلمة الأخيرة ستكون في النهاية للسوريين ولأهلهم من أبناء بقاع الوطن العربي. إنه ميثاق شرف على أن يتوحد السوريون والعرب عموماً وتتضافر جهودهم في سبيل أن تبقى أيقونة العالم سليمة وثمرة للقرون المنصرمة والقادمة.