بدأ اللوبي الإخواني في الغرب بتدشين حملة لتسويق الأوهام وسرد التحذيرات للإدارة الأميركية الجديدة من الاقتراب من ملف الإخوان المتأسلمين بأي شكل، خاصة بعد تداول مقترح ينسب لمساعدي دونالد ترامب يقضي بتصنيف جماعة «الإخوان» في الولايات المتحدة ضمن الكيانات الإرهابية الأجنبية. وفي واقع الأمر إذا كانت قرارات ترامب في مجملها تبدو انفعالية ومثيرة للجدل، فإن القرار المزمع اتخاذه والمتعلق بحظر جماعة «الإخوان» يتسم بالمنطق والصواب، إذ ينبغي أن يتغير النهج الذي أرساه أوباما خلال رئاسته التي اتسمت بالتواطؤ مع «الإخوان» والسعي لتمكينهم من الحكم، بذريعة أنهم البديل الأفضل والممكن لجماعات الإرهاب، في تجاهل واضح لحقيقة أن جماعة «الإخوان» ذاتها تمثل الحاضنة الأولى لتفريخ كل أشكال الإرهاب والتطرف باسم الدين منذ نشأة الجماعة في عشرينيات القرن الماضي، وأن «الإخوان» هم البؤرة الأساسية التي تنتج المتأسلمين، ثم يتوزعون بعد ذلك بين بقية المسميات المختلفة. ومن المزاعم التي يروج لها اللوبي الإخواني في الصحافة الأميركية أن تجريم جماعة «الإخوان» ووضعها ضمن الجماعات الإرهابية سوف يزعزع أمن دول الشرق الأوسط، في تهديد مبطن نجد له ما يوازيه حرفياً عندما قرر المصريون التخلص من حكم المرشد، وظهرت التهديدات الإخوانية بعودة الإرهاب إلى مصر، وهو ما حدث بالفعل، وقدم دلالة على أن جماعة «الإخوان» ذات صلة مباشرة بممارسة الإرهاب والعنف عندما تتعرض أطماعها ومصالحها للخطر. وما أن شرعت وسائل الإعلام الأميركية تلمح إلى احتمال وضع «الإخوان» على لوائح المنظمات الإرهابية حتى بدأت التحليلات المحذرة تظهر في الصحافة، معتمدة على استطلاع آراء مقربين من «الإخوان»، يعتبرون المساس بهم مؤشراً لزعزعة استقرار البلدان التي لـ«الإخوان» فيها مشاركة في الحكم. وهذا بالطبع وهم كبير وابتزاز للشعوب ونوع من المقايضة المكشوفة التي تضع أمن واستقرار المجتمعات في كفة ومشاركة المتأسلمين في السلطة في كفة أخرى. وعندما ينظر بعض الساسة والمحللين الغربيين إلى جماعة الإخوان المتأسلمين باعتبارها تضم الحملان الوديعة والمسالمة فإنهم يقعون في فخ النماذج الإخوانية المكلفة بالترويج للتنظيم الدولي لـ«الإخوان» في الغرب. فمنذ عقود طويلة حرصت جماعة «الإخوان» على تقديم عناصرها المستعدة للتعاون مع المخابرات الغربية، حيث هاجرت إلى أوروبا وأميركا من عناصر «الإخوان» مجموعات مكلفة بإدارة الأموال والمصالح التجارية وعقد الصفقات والترويج للتنظيم على المستوى الدولي، بينما تركوا خلفهم قواعد الجماعة المدربين على السمع والطاعة الذين يُوجهون للالتحاق بجماعات العنف عند الحاجة، كما يحدث في مصر منذ تدشين «الإخوان» لمرحلة الانتقام بعد إخراجهم من السلطة. وبتأمل سريع لعوامل الاستقرار ودوران عجلة التنمية، نلاحظ أن البلدان التي تقل فيها حدة استقطاب الشارع من قبل الجماعات المتأسلمة تحظى بتطور اقتصادي ونهوض اجتماعي متسارع، بينما يتراجع الاستقرار والسلم الأهلي في المجتمعات التي تتغول فيها جماعات المتاجرة بالدين وتوظيفه لغايات سياسية. وبالتالي لا قلق من اتخاذ إجراءات قانونية تجاه الإخوان المتأسلمين، بل إن القلق والخطأ الأكبر يكمن في استمرار الغرب في منح أفراد هذه الجماعة حق اللجوء وتأسيس منظمات وجمعيات ومنابر إعلام معادية تسعى لاستهداف وحدة المجتمعات وأمنها واستقرارها. إن الأساس النظري الذي يحدد على ضوئه الغرب آلية التعامل مع جماعة «الإخوان» يقوم على منطق فاسد يتجاهل التنوع الاجتماعي والثقافي في الشرق، ويتمثل في تبادل مراكز الأبحاث الغربية لمعادلة خاطئة يُبنى عليها باعتبارها من القطعيات. تلك المعادلة تقول إن البديل المناسب للقاعدة و«داعش» هم الإخوان! وبذلك يختصر الغرب عالمنا العربي في جماعات التوحش والإرهاب والإجرام. ويبدو أن النظرة الاستشراقية التقليدية التي كانت تحكم الاستعمار الغربي لا تزال مهيمنة على صناع القرار، وعليهم إعادة النظر في هذه المعادلة الخاطئة. لأن الإخوان المتأسلمين والجماعات الإرهابية التي خرجت من معطفهم يعتبرون منبوذين من قبل المجتمعات العربية المتطلعة للتعايش والتسامح والبناء. ومَن يعتقد أن جماعة «الإخوان» قد تخلت عن العنف فهو مخطئ، فقد فشلت الجماعة في خوض غمار السياسة عندما أتيحت لها الفرص في الجزائر والسودان وفلسطين ومصر، كما أن الأيديولوجيا السياسية للإخوان المتأسلمين، تقوم على السعي من أجل التمكين لتنفيذ أجندة التنظيم، وبالتالي الاعتماد على قهر وإرهاب المجتمعات من أجل تنفيذ المشروع الإخواني القائم على نفي الآخر.