انتشرت في الآونة الأخيرة آراء بشأن كيفية التعامل مع إيران، وتنقسم تلك الآراء إلى معسكرين رئيسيين: الأول ينادي بإبقاء نافذة للتحاور مع إيران من خلال بعض الدول التي تحافظ على علاقات خارجية ثابتة مع الحكومة الإيرانية، بينما المعسكر الثاني يطالب بتطبيق سياسة موحدة تستهدف «عزل» إيران حتى تستجيب للمطالب العربية والعالمية بوقف دعم الإرهاب والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار العربية وإنهاء احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث. فالمعسكر المؤيد لاستمرار فتح «النافذة» مع «ملالي إيران» يرى أنها الطريقة المثلى لتوصيل رسائل الدول المتضررة من سياسة إيران الخارجية وتدخلها في شؤون الآخرين بلا رادع ولا رقيب. ويعتقد أنصار هذا المعسكر أن الأمل ما زال موجوداً في إقناع إيران بخطأ سلوكها الذي تنهجه منذ اندلاع «ثورتها الإسلامية» في العام 1979 لتقوم بتطبيق سياسة حسن الجوار. ويستشهد أنصار هذا المعسكر بسياسة العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران لسنوات من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والتي لم تنجح - في اعتقاد معسكر الانفتاح - وبالتالي تم إبرام الصفقة الشهيرة بين الغرب وإيران بإنهاء العقوبات مقابل وقف برنامجها النووي. والمعسكر الذي ينادي بعزل إيران يرى أنها الوسيلة الوحيدة الكفيلة بردع ساسة إيران، ويستشهد أنصاره بنفس المثال الذي يسوقه أنصار معسكر الانفتاح وهو العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران. فأنصار معسكر العزلة يرون أنه لولا العقوبات الاقتصادية التي أدت لحدوث أزمات اقتصادية خطيرة في إيران، وبدت في الأفق بوادر ثورة شعبية ضد «الآيات»، لما سارعت القيادة الإيرانية للرضوخ لمطالب الغرب بوقف برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات لتهدئة الداخل الإيراني. أما المعسكر الذي يراقب الأحداث منذ سنوات، فإن العديد من الأسئلة تدور بخلده. فمن ناحية، أليست بلاد العرب وخاصة الدول الخليجية مفتوحة على مصراعيها لمواطني إيران منذ الأزل للعيش وممارسة التجارة جنباً إلى جنب مع مواطني تلك الدول، مما يؤكد سياسة حسن الجوار التي تتبعها تلك الدول مع إيران؟ ألا توجد سفارات للدول العربية في إيران والعكس، وبالتالي فإن الرسائل والاعتراضات الدبلوماسية تجد طريقها عبر القنوات السياسية؟ ألا توجد مصالح اقتصادية بين كل من الدول العربية الخليجية وإيران منذ عشرات السنوات؟ ومن ناحية أخرى، هل نتج عن سياسة الانفتاح أي نتائج إيجابية حتى الآن؟ ألم تقم إيران الشاه باحتلال جزر دولة الإمارات الثلاث وأصرت إيران «الملالي» على استمرار الاحتلال؟ ألم تقع الأحواز العربية تحت الاحتلال الإيراني منذ عام 1925 حتى الآن، ويقوم الساسة في إيران بتطبيق سياسة مماثلة، لنظام الفصل العنصري (الأبارتيد أو الأبارتهايد) الذي كانت تطبقه الأقلية الأوروبية ضد الأكثرية الأفريقية أصحاب الأرض في جنوب أفريقيا في الفترة من 1948 إلى 1993 بل وأشد؟ أليس «ملالي» إيران من قاموا ببث الفتنة الطائفية بيننا ويقومون بالتحريض على قلب نظام الحكم في البحرين ويدعمون «الحوثي» ضد الشرعية في اليمن، ويرسخون الانقسام والفتنة الشعبية في العراق، ويساندون نظام الحكم في سوريا في المذابح التي يقوم بها ضد شعبه ويقفون بجانب من يسمى حزب «الله» في لبنان، ويسعون لضرب المجتمع السعودي من خلال بث بذور الفتنة الطائفية؟ ثم ألم يبرم الغرب صفقة مع إيران بعد عزلها اقتصادياً؟ فلماذا لا يُطبق العرب السياسة نفسها لردع الملالي؟ بين المراقب لسياسة الانفتاح على إيران والمؤيد لعزلها، يقف العديد ينتظر إجابة شافية من مؤيدي الانفتاح على تساؤلات أصحاب معسكر العزلة، وخاصة أن إيران أصبحت «أكبر دولة راعية للإرهاب»، حسب ما يؤكده وزير خارجية المملكة العربية السعودية، والذي يشاطره في ذلك الملايين حول العالم، وخاصة دول الجوار. *باحث إماراتي