قد يبدو لبعض المتابعين أن الوقت الراهن هو الأسوأ بالنسبة للمسلمين في أميركا. ورغم أن مشاعر الكراهية لهم كانت معروفة قبل انطلاق الحملة الانتخابية للرئيس ترامب، فإن خطابه وقراراته ضد المسلمين توحي بنُذُر أكثر سوءاً في انتظارهم. وبالنظر للنوايا وراء منعه المسلمين من دخول أميركا، والغضب الذي يستشعره أتباعه ومؤيدوه ضدهم، فإن الخلفية التي يظهر بها الإسلام في أميركا باتت تتلخص في الخوف والشك العميق. حتى أصبح عامة الناس يعتقدون أن أي شيء يحمل المظهر الإسلامي يعبر بالضرورة عن الحقد والكراهية والتعصب. وهناك مخاوف من أن يؤدي «صراع الحضارات» الجديد الذي يتحدث عنه مستشارو ترامب إلى تشجيع المجموعات المتطرفة على تجنيد المزيد من المتطرفين. وأصبحت فترة رئاسة ترامب تبدو وكأنها لحظة الحساب بالنسبة لنحو 3.3 مليون مسلم أميركي بعد أن وجدوا أن دينهم أصبح في مواجهة التحدي، وباتوا أسرى الشكوك ووجدوا أنفسهم في مواجهة حالة لا سابق لها من التراجع والضعف. وتطالعنا بعض الكتب القديمة عن قصص ازدهار المجتمعات الإسلامية القديمة عندما كانت تواجه التحديات. وكان من عوامل نجاحها التمسك بالمفهوم الأوسع للعدالة والمساواة والتضامن، وهي من التعاليم الأساسية للقرآن الكريم. وعندما ظهر الإسلام عام 610 للميلاد، أصبحت الدعوة إلى الإصلاح ضرورة، لعدم المساواة السائدة آنذاك. فقد كانت العادات القبلية الحسنة التي اشتهر بها البدو قد أشرفت على الاختفاء، عندما أصبحت الثروات والسلطات بأيدي قلة قليلة من أصحاب النفوذ في مكة. ثم جاء النبي محمد (ص) ليعيد النظام الاجتماعي إلى الطريق القويم بتقديم رسالة الإسلام كدين للعدالة والمساواة بين الناس. وانقلب الداخلون الجدد في الإسلام على الأوضاع القائمة وبطريقة طوعية رغم الأعباء الباهظة التي كانوا يتحملونها. وضحى الكثير منهم بحياتهم أو تخلوا عن امتيازاتهم وتحملوا الاضطهاد نصرة لدينهم القويم. وفي رسالة وجهها الداعية الأميركي «مالكولم إكس» من مكة عام 1964، تحدث عن وحدانية الله كأساس للشعور بالمساواة بين المسلمين كلهم مهما اختلفت مشاربهم. وبعد سنوات من الظلم الذي تعرض له من العنصريين الأميركيين، ها هو الآن يعيش في مجتمع تسوده العدالة والأخوّة. وقال في رسالته: «خلال الأيام الأحد عشر التي قضيتها في العالم الإسلامي، كنت آكل من ذات الأطباق، وأشرب من نفس الكؤوس، وأنام على ذات السجادات، مع إخواني، كما كنت أصلي وأسجد لله الواحد الأحد مع أصدقائي المسلمين الذين كانت عيونهم أكثر زرقة من اللون الأزرق، وشعرهم أكثر اشقراراً من اللون الأشقر، وجلودهم أكثر ابيضاضاً من اللون الأبيض. ومن خلال الكلمات والأفعال التي رأيتها من المسلمين البيض، شعرت بنفس الإخلاص الذي سبق لي أن لمسته من المسلمين السود الأفريقيين في نيجيريا والسودان وغانا وغيرها من البلدان. والحقيقة أننا متساوون وإخوة. لأن إيماننا بالله الواحد الأحد أزال من أنفسنا وسلوكنا فكرة تفضيل الرجل الأبيض على الأسود». وهذه العقلية، هي ذاتها التي برزت عندما تم اعتقال 20 حاخاماً يهودياً لأنهم كانوا يتظاهرون أمام «برج ترامب» في مانهاتن ضد منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، فيما كان يتظاهر إلى جانبهم نفر من المسيحيين الإنجيليين ضد تفضيل اللاجئين المسيحيين على المسلمين. وفيما أصبح ترامب يشكل خطراً على المسلمين، فإن فترة ولايته الرئاسية تهيء لنا الفرصة لتبني نوع من النضال المشترك مع جيراننا، والاستفادة من فرصة تقوية الشعور بإيماننا وتشكيل قوة من التحالفات الجديدة في وجه أعدائنا. وكما قالت الشاعرة الأميركية إيما لازاروس: «ما لم نصبح كلنا أحراراً، فلن يكون أي منا حراً». وخلاصة الأمر أن كل عمل ينطوي على الظلم ينبغي أن يدفعنا لتجديد إيماننا وتشديد عزائمنا لتصحيح الأمور وإعادتها إلى نصابها. وبمعنى آخر فإن مقاومة الظلم تصبح في هذه الحالة نوعاً من ممارسة العبادة. ويدعونا هذا الوقت العصيب لإعادة إحياء الإيمان الذي بقي ملازماً لعقولنا طيلة عقود، والذي هيأ لنا الشعور الدائم بوجود الله أثناء أعمالنا اليومية ومحاولاتنا العيش ضمن مجتمع تسوده العدالة. وحقيقة الأمر، أنه لا يبدو هناك وقت أفضل من الوقت الراهن لأن تكون مسلماً يعيش في أميركا. جلال بيج* *محلل سياسي أميركي -------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»