أصبح خيرت فيلدرز، الزعيم الهولندي اليميني المتطرف، موضوع الساعة ليس فقط في هولندا ولكن في معظم الدول الأوروبية الأخرى، بسبب توجهاته اليمينية المتطرفة، وبسبب كرهه الشديد للإسلام والمهاجرين، فالرجل ليس لديه أي اعتراف بالآخر، ولا بقواعد العيش المشترك، ولا بحقوق الجاليات، ولا بالحريات العامة. وكل من اتصف بهذه الأوصاف يسبح في عالم من الكراهية الشديدة يصعب معه أي حوار جاد. ومعظم استطلاعات الرأي الأخيرة توحي بأن أوروبا ستتجه رويداً رويداً إلى تبني الخطابات اليمينية في أساليب حكمها، وخاصة أن المستجوبين المستطلعة آراؤهم في أهم الدول الأوروبية يعتبرون وجود جالية مسلمة في أوطانهم بمثابة تهديد حقيقي لهوية بلدانهم. ويعتبرون أن المسلمين غير مندمجين بما فيه الكفاية في تلك المجتمعات، ويرجع المستجوبون ذلك إلى التباينات الثقافية المختلفة وإلى القيم قبل الأسباب الأخرى المرتبطة بالغيتوهات أو الصعوبات الاقتصادية. وحتى مع وجود اختلافات بين المستجوَبين الشباب والمسنين، والناخبين من اليمين ونظرائهم من اليسار، فإن نسبة كبيرة منهم تربط بين الإسلام ورفض القيم الغربية، ونلمس ذلك جلياً في نظرتهم لقضية الحجاب وبناء المساجد، حيث إن أكثر من 59 في المئة من المستجوبين مثلاً يعارضون ارتداء المسلمات للحجاب في الشارع، و32 في المئة فقط يعتبرون ذلك أمراً لا يعنيهم، كما أن 39 في المئة من الفرنسيين يبدون معارضتهم لبناء المساجد مقابل 22 في المئة في سنة 2001. وفي أول أيام حملته للانتخابات البرلمانية الهولندية المقرّرة يوم 15 مارس المقبل، عمد خيرت فيلدرز إلى شن هجوم لا إنساني على من وصفهم بـ«الرعاع المغاربة»، قبل أن يضيف أنه يريد تخليص البلاد منهم «لإعادتها إلى الشعب الهولندي». وبعدها استدرك فيلدرز، الذي يتصدر وفق استطلاعات الرأي، القوى المتنافسة في الانتخابات، وتابع أمام جمع من السكان «طبعاً، المغاربة في هولندا ليسوا كلهم حثالة». والمشكلة اليوم أن العديد من التيارات اليمينية المتطرفة في هولندا وفرنسا وألمانيا مثلاً تجد في الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثالاً ومرجعاً للاستحواذ على المجال السياسي العام، كما نجدهم أيضاً يتبنون خطاباته التي أوصلته إلى البيت الأبيض، كما نجده هو نفسه يدافع عمن يجد فيهم رائحة الموالاة والتبعية الفكرية والروحية ليوقع معهم اتفاقاً ضمنياً لكي يصلوا إلى سدة الحكم. ولعل أوضح مثال على ذلك هو التصريح الذي أدلى به يوم الجمعة الماضي الرئيس الأميركي نقلاً عن صديق له من عشاق العاصمة الفرنسية، بقوله إن «باريس لم تعد باريس»! أي أنه لا أصحاب القرار هم في المستوى المطلوب للدفاع عن بلدهم، ولا سياستهم في مجال الهجرة تؤتي أكلها، وهنا نتفهم ردة فعل الرئيس الفرنسي أولاند خلال زيارته يوم السبت لصالون الفلاحة الذي تحتضنه سنوياً باريس: «هنا لا يمكنك التداول والحصول على أسلحة، هنا ليس لديك ناس يحملون الأسلحة ويطلقون النار على آخرين من أجل مجرد التسلية للتسبب في الدراما والمأساة، للأسف هناك الإرهاب وعلينا أن نحاربه معاً، أعتقد أنّه ليس أمراً جيداً على الإطلاق إبداء انعدام الثقة في دولة صديقة!». إن العامل الانتخابي، وضرورة حشد أكبر عدد من أصوات الناخبين، هو السبب الذي يجعل اليوم الأجسام السياسية الغربية أجساماً مريضة بالصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وهو الذي يولد في عقول الغربيين مقولة كون هوية وثقافة بلدانهم في خطر، أو ما يشار إليه بالهوية المرجعية! وهذه الهوية يشعل فتيلها سياسيو الأحزاب كلما دعت الضرورة إلى ذلك، في رأيهم، من قبيل ما وقع في تسعينيات القرن الماضي عندما زحف آلاف المهاجرين من يوغوسلافيا السابقة وطلبوا اللجوء السياسي في عدة بلدان، ولكن الفرق اليوم، هو أن أقوى دولة في العالم اختارت إيصال من له مثل هذا الخطاب إلى سدة الحكم، وهو يسير يوماً بعد آخر في تنفيذ وعوده الانتخابية. فليس غريباً إذن أن يواصل خيرت فيلدرز تحريضه العنصري ودعايته الفجة: «إذا أردتم استعادة بلدكم، وإذا أردتم أن تكون هولندا وطناً للهولنديين، عليكم أن تصوّتوا لحزب الحرية (الحزب المتطرف الذي يتزعمه)». وبالفعل، تشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن حزب فيلدرز يمكن أن يفوز بما بين 24 و28 مقعداً في البرلمان الجديد، متقدماً بمقعدين أو أربعة عن الحزب الليبرالي الحاكم حالياً بزعامة رئيس الحكومة مارك روته، وهنا الكارثة ‏الحقيقية! ---------------- * أكاديمي مغربي