تطرح دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الإمارات العربية المتحدة، رؤية جديدة للأمن العربي، تقوم - في نظري - على ثلاثة مرتكزات، أولها: الدمج بين القوة الناعمة «تظهر جليَّة في المنجز الثقافي والمعرفي» وبين القوة العسكرية من حيث هي حضور ومشاركة ودعم لوجستي ومادي، وثانيها: تحطيم الحواجز الفاصلة بين ما هو وطني وما هو قومي، والحرب في اليمن خير دليل على ذلك، والبداية في هذه المسألة تنطلق من الدوائر الأقرب، وثالثها: إنشاء منظومة جديدة للتفكير، خاصة في المجال العسكري، تُنْهي القسمة الضيزى التي سادت لسنوات من أن الخليج مهمته الدعم المالي، وترك القرارات الحاسمة والمصيرية لدول فاعلة وكبرى اعتماداً على ما تقدمه من دعم بشري. الرؤية السابقة تعمّقت أكثر لديَّ بعد تأكيدات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، «من أن القوات المسلحة الإماراتية تمثل الحصن المنيع للوطن والحامي لمكتسباته ومنجزاته الحضارية في ظل بيئة إقليمية ودولية تتسع فيها مصادر الاضطراب والخطر»، وذلك خلال حضور سموه الخميس الماضي العرض العسكري الحي «حصن الاتحاد» رفقة الشيوخ وكبار المسؤولين، وقد شهد العرض إقبالاً جماهيرياً واسعاً، وجرى قبالة شاطئ كورنيش - أبوظبي. هنا يحق للقارئ أن يتساءل: أليست من مهام أي جيش في العالم، الدفاع عن وطنه وسيادته، فما الذي سيميّز الجيش الإماراتي عما سواه في هذه الحالة؟ وما الذي سيُضفيه لحماية الأمن القومي، ضمن أوضاع مأزومة يواجه فيها أغلب الجيوش العربية واقعاً مؤلماً؟ قد يجد القارئ في تفاعلي مع أيّ عمل تقوم به الجيوش العربية، والنظر إليه من زاوية البقاء العربي على الساحة الدولية، إجابة مختصرة، لكن بالنسبة للقوات المسلحة الإماراتية هناك إجابة أعمق نجدها في قول سموه: «إن قواتنا المسلحة تمتلك الجاهزية الكاملة والإرادة الصلبة للدفاع عن تراب الوطن وصون أمنه ومصالحه العليا في أيّ وقت وفي أيّ مكان»، وهذا من الناحية الواقعية، وطبقاً للشروط الموضوعية الراهنة، يجعل الجيش الإماراتي مُميَّزاً عن الجيوش الأخرى، حيث لا تحده «جغرافيا الوطن» للدفاع عن مصالح الإمارات العليا. وما كان للجيش الإماراتي - كما يرى سموه - «أن يصل إلى هذا المستوى العالي من الحرفية والتطور لولا الجهد الكبير، الذي بُذل على مدى سنوات طويلة، وبرؤية عميقة وبعيدة النظر بدأها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وسار عليها وعززها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وتلك الرؤية تقوم - كما ذكر سموه - «على الاهتمام بالعنصر البشري المقاتل، بحيث يمتلك كل المقومات التي تساعده على القيام بدوره في أداء واجبه المقدس، في الدفاع عن الوطن، وامتلاك أحدث منظومات الأسلحة والتكنولوجيا الدفاعية المتقدمة في العالم الجوية والبرية والبحرية، وتوفير أرقى برامج التدريب والمناورات المشتركة، من خلال الاحتكاك مع مدارس عسكرية مختلفة من المنطقة وخارجها». هذا الشرح المفصل لتميز الجيش الإماراتي في الوقت الراهن يحلينا إلى دوره القومي، وقد وضح سموه ذلك بأن للجيش الإماراتي جاهزيته لـ «المشاركة القوية في تدعيم منظومة الأمن العربي، ودعم الأشقاء من منطلق الالتزامات والمسؤوليات العربية التي تؤمن بها دولة الإمارات العربية المتحدة، تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. إذن الجيش الإماراتي يثبت وجوده اليوم على الساحة العالمية من خلال رؤية استراتيجية شاملة، وهو فاعل اليوم ميدانياً، ويتحرك ضمن ميراث أخلاقي وقيمي أكسبه احترام دول العالم، والإنجازات التي حققها تفرض قراءة جديدة لمنظومة الأمن العربي، محلياً وإقليمياً وقومياً ودولياً.