من الواضح أن القادة العرب قد تولوا في قمة البحر الميت زمام قيادة عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية استناداً إلى مبادرة السلام العربية واستفادة من الزخم الذي ولده الرئيس ترامب عندما أعلن تصميمه على تدارك الفشل الذي لاحق جهود الرؤساء الأميركيين السابقين وعلى إنجاز الصفقة الكبرى للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين على نحو خاص وبين العرب وإسرائيل على نحو عام. ومن الواضح أن الملك عبدالله الثاني ملك الأردن والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي قد نجحا خلال زيارتيهما لترامب من ناحية ثانية في تعديل عناصر رئيسية في رؤية ترامب لمشروع السلام ،والتي بدأت متأثرة بالطروحات اليمينية الإسرائيلية. لقد نقل الزعيمان العربيان لترامب الرؤية العربية الموحدة حول عناصر تجفيف حالة الفوضى والإرهاب وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. إنها الرؤية الهادفة إلى حماية الكيان العربي من فكي كماشة أطماع التوسع الإسرائيلية من ناحية والإيرانية من ناحية ثانية، والتي ترى أن فكي كماشة هذه الأطماع تسهم إسهاماً مباشراً في خلق البيئة السياسية الصالحة للمنظمات الإرهابية. وفي تقديري أن الشروح العربية التي استمع إليها ترامب وفريقه مباشرة قبل القمة، والتي ستتعزز بشروح إضافية يحملها معه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارته في الثالث من أبريل بعد القمة، قد طورت وستطور رؤية ترامب في ثلاثة جوانب. الجانب الأول هو وعده لليمين الإسرائيلي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. وفي هذا الأمر نجح القادة العرب في إقناع ترامب بخطورة تنفيذ هذا الوعد على مشروع السلام، وهو النجاح الواضح في فرملة التنفيذ رغم استمرار الكلام عنه من جانب نائب الرئيس الأميركي. أما الجانب الثاني فيتعلق بآلية إنجاز المشروع، فقد أوضح ترامب عند زيارة نتنياهو له أنه منحاز لرؤية اليمين الإسرائيلي بقصر مهمة المفاوضات المؤدية للصفقة على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. كلنا يعلم أن هذه الآلية لم تسفر عن أي نجاح منذ انطلقت عملية التسوية بتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وذلك ببساطة لأن الجانب الإسرائيلي الأقوى يحاول فرض أطماعه على الجانب الفلسطيني الأضعف وهو ما يؤدي إلى فشل المفاوضات الثنائية تحت الرعاية الأميركية. أعتقد أن علينا تعديل رؤية ترامب في هذا الجانب لإعطاء المجال للدول العربية في دعم المفاوض الفلسطيني وتعديل ميزان التفاوض لصالح المطالب العربية في سلام عادل وشامل. أما الجانب الثالث فهو تعديل رؤية ترامب التي تحدث فيها عن إمكانية حل النزاع بدولة أو بدولتين وهي الرؤية التي أطربت آذان اليمين الإسرائيلي الحاكم واعتبرها رخصة بضم الضفة وفرض حكم ذاتي على الفلسطينيين داخلها في إطار نظام الفصل العنصري. لقد أوضح الزعماء العرب أن مطلبهم هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة كشرط ضروري لنجاح المشروع وعلى الأغلب فإن ترامب سيتوافق مع الرؤية العربية في هذا الجانب إذا ما أراد لمشروعه النجاح. يبقى هنا التساؤل عن طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية خصوصاً مع وجود «حزب البيت اليهودي» بقيادة «نفتالي بينت» ممثل فكرة ضم الضفة لإسرائيل؟ وهل يمكن أن تعدل من قناعتها لتلبية متطلبات السلام؟ إنني ألمح في اللوحة السياسية الإسرائيلية مؤشرات لإمكانية تعديل الحكومة، فقد أعلن وزير الداخلية أنه يدعو زعيم المعارضة ورئيس حزب المعسكر الصهيوني للانضمام للحكومة. معروف طبعاً أن هذا المعسكر يؤيد حل الدولتين، وإذا دخل للحكومة فإن توجهها سيتغير نحو الاعتدال، وقد يؤدي دخوله إلى انسحاب «حزب بينت» المتطرف منها. فهل نرى حكومة سلام إسرائيلية مع تطوير رؤية ترامب بالتأثيرات العربية؟