الإرهاب أزمة عالمية مرة أخرى.. هذا ما نستطيع أن نلخص به مجريات الحياة في عالم اليوم، وللإرهاب منابع كثيرة منها العنصرية المقيتة والقهر السلطوي والجبروت الفكري، ويُعد التطرف الفكري من أهمها، فهو صبغة واضحة لكل ما سبق من مبررات. ومن أخطر أنماط التطرف الفكري ما كان باسم الله ولله. كما يدعي أصحابه، هنا فقط يختلط الغث بالسمين ويدخل الإنسان معترك الصراع الديني في حيرة من أمره، فهو يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض، كلما سعى عقله لإنارة دربه جاءه من يغشيه بسحائب من الجهل تمطر الدماء بدل الماء، لذلك سُميت هذه الأمور فتنة، لأن العقل يعيش في حيرة من أمره، وبالرغم مما للإرهاب من ويلات منكرة، وفضائع مستغربة إلا أن له على المدى البعيد فوائد لا يدركها إلا أولى النهى، العرب قديماً تقول وبضدها تعرف الأشياء.. وقال شاعرهم: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه.. ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه. فما هي أهم فوائد الوعي بخطر الإرهاب الديني، أولها جلاء الصورة للإنسان العربي، الذي خُدع ردحاً من الزمن بالخطاب الديني، فبعد سنوات من غشاوة الإصلاح الديني في الوطن العربي تبين لكثير من الشباب أن وراء تلك الدعوات أجندات سياسية كشفتها الأزمة العربية التي نعيش فصولها. فكم سمعنا أن الجماعة السلفية هي دعوة لتجديد العقيدة عند البشرية. وكم انصتنا إلى خطابات تقول لنا إن جماعة «الإخوان» هي جمعية «خيرية تريد الإصلاح ما استطاعت إليه سبيلاً»، بيد أن ما يعرف بـ"الربيع العربي" كشف المستور من الأمور، وتبين أن لهذه التجمعات الدينية أجندات سياسية، تتلخص في التمسكن حتى التمكن من سدة الحكم، وأن البراجماتية السياسية لديهم عالية في سقفها، حتى أوصلتهم للتعاون من أعداء الأمس من أجل تحقيق ما في النفس من رغبات وخلجات تتلخص في قيادة الدول. الفائدة الثانية أن العرب اليوم أقرب إلى الوسطية منهم للغلو، فقد رأى العربي ما آلت إليه الأمور باسم الدين من فوضى خلاقة، ودماء سيالة. فكل من يختلف معهم في الأمر هو كافر حلال دمه، ولقد رأينا فظائع التطرف الفكري، الدين بريء منهم لكنهم اتخذوه مطية لحاجة في أنفسهم، قادتهم إلى طائفية مذهبية وأخرى فكرية، هذا الأمر دفع الكثير من الشباب إلى التريث والتفكر، هل في هذه الأحزاب من فوائد تذكر أم أنها تحمل في طياتها الشر؟ دفعت تلك الأمور الناس إلى البحث من جديد في أصول دينهم وتنقيته مما شابه من انحرافات وشبهات حملتها في طياتها كتب فكرية تم تدريسها في محاضن الكثير من التجمعات الدينية السرية. الفائدة الثالثة، تتلخص في أن السرية والغموض التي كانت تغطي التجمعات الدينية كانت المدخل لكل الانحرافات، في تلك الجماعات، فأضحت علامة السرية إشارة انحراف فكري دفعت الكثير من الشباب العربي إلى الابتعاد عن تلك الأحزاب، فالإسلام دين واضح جلي، ولا يتطلب الانتماء إليه العمل التنظيمي الخفي، فمن أراد خدمة دينه انتماء للجمعيات المعلنة التي تسهم في حفظ الشباب من غلو تلك الأحزاب الفائدة الأخيرة وقد تكون غريبة، أن الإرهاب قاد الكثير ممن لم يكن يعرف الإسلام في البحث عنه والقراءة حوله، هذا الأمر أوصلهم إلى أن هذا الدين بريء من تهمة الإرهاب التي وسم بها، فدخل الناسُ في هذا الدين أفواجاً رغبة فيه لا رهبة منه، ولم لا.. وهو دين السلام الذي جاء به من هو رحمة للأنام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.