رحيل بيرجنيسكي «مُنظِّر النظام الدولي الليبرالي».. وسجال جديد حول أفغانستان «واشنطن بوست» تحت عنوان «زبيجيبيو بيرجنيسكي كان مدافعاً ببسالة عن النظام الدولي الليبرالي»، كتب «ديفيد إيجناتيوس»، أول أمس مقالاً في «واشنطن بوست»، رأى في مستهله، إننا عندما نفكر في الإطار المجرد للسياسة الخارجية الذي يعرف بـ «النظام الليبرالي الدولي»، لابد وأن نشير إلى أحد أقوى أنصاره وهو «زبيجينيو بيرجنيسكي»، مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، والذي وافته المنية يوم الجمعة الماضي عن عمر يناهز 89 عاماً. بيرجنيسكي كرّس حياته المهنية في توضيح وتعزيز فكرة القيادة الأميركية للعالم وفق نظام قوي ومرن يضمن الأمن والرخاء على الصعيد العالمي، وأراد أن يكون هذا النظام الأميركي منفتحاً ومرناً، ومستعداً للانخراط في ما أسماه «صحوة سياسية عالمية» للأمم الصاعدة والثقافات، هو أكد أيضاً أهمية القوة العسكرية. بيرجنيسكي حصل في 10 نوفمبر الماضي على أعلى وسام مدني من «البنتاجون». شغل بيرجنيسكي في سبعينيات القرن الماضي منصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس جيمي كارتر، ومن يتابع مسيرته المهنية، يجد أنه كان يتخذ مواقف يمكن تصنيفها بـ «الصقورية»، لكن أصبح مع مرور الوقت، أكثر تشككاً في التعامل مع القوة العسكرية كحل يمكن أن يأتي بنتائج جيدة. لقد كان صريحاً، خاصة عندما حذر من أن غزو العراق عام 2003 كان خطأ. التصور الذي تبناه بيرجنيسكي للنظام الدولي الليبرالي استند فيه إلى إطار من التحالفات والمؤسسات العالمية، وكلاجئ بولندي سابق، يؤمن بأهمية الحرية والاعتماد الاقتصادي المتبادل الذي دافعت عنه الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، وفي المؤسسات الدولية التي ظهرت بعد هذه الحرب كالأمم المتحدة وحلف «الناتو» والبنك الدولي. بيرجنيسكي كانت لديه قناعة بأن القوة السوفييتية، ليست حقيقة دائمة في حياة الأوروبيين الشرقيين. وحث اليابان على الانضواء في شراكة مع الغرب، ودشن لهذا الغرض لجنة «ثلاثية». مواقف بيرجنيسكي كانت في منطقة وسط بين «الحمائم» و«الصقور» في السياسة الخارجية الأميركية. لكنه كانت دائماً على حق، على سبيل المثال، عندما قام الروس بغزو أفغانستان، أيد فكرة دعم المقاومة الأفغانية، وعندما اختطفت الثورة الإسلامية طهران، ناشد بيرجنيسكي الشاه بالعودة والنضال ضدها، وبعد زيادة الضغوط الأميركية على روسيا من خلال العقوبات وحذّر من مغبة وضع موسكو في الزاوية أو المبالغة في عزلتها. بيرجنيسكي دافع بقوة عن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها لأول أمس، وتحت عنوان «الحرب الطويلة والمملة في أفغانستان»، رأت «نيويورك تايمز» أنه من الصعب ألا يشعر المرء بالانزعاج عندما يسمع أن «البنتاجون» تطلب زيادة في عدد القوات الأميركية في أفغانستان بقرابة 5 آلاف جندي. فالولايات المتحدة خاضت هناك حرباً لمدة 16 عاماً، هي الأطول في تاريخ البلاد وبتكلفة بلغت 800 مليار دولار، وبخسائر بشرية وصلت إلى 2000 جندي أميركي. وحتى الآن لم يحل السلام في أفغانستان، والأمور فيها، يبدو أنها تتجه نحو الأسوأ، ذلك لأن حركة «طالبان» تأخذ زمام المبادرة، وتشن هجمات وتوسع من نطاق الأراضي التي تهيمن عليها، وفي غضون ذلك تنشط عناصر من «القاعدة» و«داعش» وتجد لها موطئ قدم في أفغانستان. وحسب الصحيفة، يوجد الآن قرابة 8400 جندي أميركي في أفغانستان، والقادة العسكريون يريدون زيادة قوامها 5000 مقاتل، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تضمن هذه الزيادة انتصار الأميركيين في هذا البلد، خاصة أن الولايات المتحدة كان لديها 100 ألف جندي في أفغانستان، ولم تتمكن من هزيمة «طالبان» والسيطرة على البلاد! القادة العسكريون الأميركيون طلبوا من ترامب الموافقة على زيادة القوات، لكن حتى الآن لم يبت الرئيس الأميركي في الأمر. وتقول الصحيفة إن التكلفة الشهرية للوجود الأميركي في أفغانستان تبلغ 3.1 مليار دولار، ويبدو أن البيت الأبيض منقسم حول مسألة زيادة القوات الأميركية في أفغانستان، حيث يرى بعض الخبراء أن الزيادة ستسمح للخبراء الأميركيين بتدريب ومساعدة عدد أكبر من القوات الأفغانية، وستجعل القوات الأميركية أكثر اقتراباً من جبهات القتال، كما أن الأفغان لا يزالون بحاجة إلى المساعدة في مجالات أساسية، ويحتاجون مؤناً حربية، ودعماً استخباراتياً. لكن واشنطن لطالما استنتجت أن الحل العسكري غير مطروح، والزيادة في عدد القوات يمكنها استهلاك مزيد من الوقت تمهيداً لاتفاق سياسي بين «طالبان» والحكومة الأفغانية. غير أن الجهود السابقة التي بُذلت من أجل التفاوض بين الطرفين لم تسفر عن شيء، ومع ذلك يرى بعض الخبراء أن زيادة الضغط العسكري على «طالبان» قد تقنع الحركة بالعودة للمفاوضات. وإذا كان هناك مقترحات باستراتيجية منسقة تتضمن مكونات عسكرية ودبلوماسية ومبادرات اقتصادية، فإنه لا توجد مؤشرات على أن إدارة ترامب تفكر في هذا الاتجاه، كما أن القيادة السياسة الأفغانية تعاني الانقسام، والفساد ينخر في البلاد. «بوسطن جلوب» تحت عنوان «قيمة تعهد ترامب بالتعاون مع السعوديين لدحر الإرهاب»، نشرت «بوسطن جلوب» أول أمس مقالاً لـ «نايل فيرجسون»، الزميل الرئيس بمعهد «هيدسون» التابع لجامعة «ستنانفورد»، أشار في مستهله إلى أننا أمام مشكلة تتمثل في ظهور حركة- (يقصد داعش)- ينتشر أعضاؤها حول العالم، ويتبنون تفسيراً متزمتاً للنصوص الدينية، ويشجعون الشباب من الجنسين على العنف، وعلى الاعتقاد بأن استخدامه ضد «غير المؤمنين» ليس فقط «مشروعاً» بل ويستحق الثناء، وهذا النوع وجدناه في الشاب الانتحاري الذي فجّر نفسه في مسرح مانشستر، ما أودى بحياة 22 شخصاً، من بينهم طفلة عمرها 8 سنوات! وحسب فيرجسون، يسقط آلاف البشر كل عام ضحايا حركة من هذا النوع، وفي عام 2015 على سبيل المثال، هناك أربعة تنظيمات مسؤولة عن 75 في المئة من ضحايا الإرهاب في العالم، والبالغ عددهم آنذاك 29000 ضحية: «داعش» و«بوكو حرام» و«طالبان» و«القاعدة». إعداد: طه حسيب