بدأت الحركة الأسيرة في فلسطين منذ دخول أول أسير فلسطيني إلى سجون دولة الاستعمار البريطاني التي انتدبت نفسها على فلسطين وفتحت السجون والمعتقلات، وأقامت المحاكم وأصدرت الأحكام ضد المناضلين الفلسطينيين. وقد ورثت الدولة الصهيونية لاحقاً من المستعمر البريطاني السجون والمعتقلات والقوانين التعسفية. ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية في عام 1965، ركزت الحركة الأسيرة على البعدين التوعوي والتربوي لصقل الطاقات وتهذيبها، ما أتاح الفرصة لبناء كوادر قادرة على القيادة وتحمل المسؤوليات في ظل أعتى ظروف الاعتقال، بحيث يكون طابعها المواجهة الدائمة والمستمرة مع إدارة السجون. وهكذا، تم إرساء دعائم وأسس الحركة الفلسطينية الأسيرة مقابل أثمان باهظة: عشرات الشهداء، ومعاناة رهيبة جراء ممارسات إسرائيلية قمعية فاشية عنصرية. وفي المقابل، أصبحت الحركة الأسيرة حركة قائدة ومبادرة في العمل الفلسطيني، رسختها لاحقاً «وثيقة الأسرى» للوفاق الوطني في مايو 2006 التي أجمعت عليها كل التنظيمات الفلسطينية، والتي بادر إليها قادة الأسرى انطلاقاً من الشعور العالي بالمسؤولية الوطنية في سبيل تعزيز الجبهة الفلسطينية الداخلية وصيانة الوحدة الوطنية. وفي أحدث الحلقات، بدأ نحو 1600 أسير فلسطيني، يوم 17/4/2017 الذي يصادف «يوم الأسير» السنوي، خوض معركتهم ضد السجان الإسرائيلي، فباشروا إضراباً مفتوحاً عن الطعام ضد سياسات الإهمال الطبي، والانتهاكات، والاعتقال الإداري، والمحاكم الجائرة، ومنع الزيارات.. إلخ، وذلك في ظل ظروف فلسطينية وعربية ودولية لا يمكن وصفها إلا بأنها غير مواتية بعد أن تراجعت القضية الفلسطينية في سلم الأولويات. ورغم ذلك، وبعد معركة دامت واحداً وأربعين يوماً، أعلن عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» جمال محيسن في مؤتمر صحفي (ضم رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الوزير عيسى قراقع، ورئيس جمعية نادي الأسير قدورة فارس، ومحافظ رام والله والبيرة ليلى غنام) تعليق المعتقلين إضرابهم عن الطعام بعد حصولهم على مطالب بتحسين أوضاعهم الحياتية داخل السجون. لقد جاء الإضراب الأخير ليشكل ضغطاً سياسياً وإعلامياً على الاحتلال الإسرائيلي، والتذكير بقضية 5600 أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال، حسبما جاء في تقرير مشترك صدر قبل أيام لثلاث مؤسسات فلسطينية، والذي أكد أنه «تم تسجيل نحو مليون حالة اعتقال على مدار سنين الاحتلال منذ بدايته في 1948». كما أن الإضراب جاء لتحسين الظروف الحياتية والمعاشية للأسرى. ومن معلوماتي الشخصية المباشرة، حيث كنت شاهد عيان ومضرباً متضامناً مع الأسرى في «خيمة التضامن» في رام الله: (1) رفضت إسرائيل مفاوضة قيادة الإضراب، فيما أصرت قيادتا الداخل والخارج الفلسطينيتان على ضرورة التفاوض مع قيادة الداخل (مروان البرغوثي). ومن هنا، (2) أدت معركة «عض الأصابع» بين الطرفين إلى إطالة أمد الإضراب وتعرض حياة كثير من الأسرى للخطر الشديد، بل ونقل (170) منهم إلى مستشفيات مدنية إسرائيلية في الأسبوع الأخير بعد تدهور أوضاعهم الصحية ومن بينهم قادة الإضراب أنفسهم. وفي النهاية، رضخت إسرائيل لمعظم مطالب الأسرى بعد أن وصل عدد الذين أشرفوا على الموت إلى العشرات، ما سبب لحكومة بنيامين نتنياهو حرجاً شديداً، (3) متابعة القيادة الفلسطينية مع عواصم عالمية عديدة، وتحديداً مع واشنطن، وتدخل «جبسون غرينبلات» مبعوث الرئيس الأميركي للسلام. تمر «الحركة الأسيرة» اليوم بمرحلة خطيرة. ففي ظل الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً، أصبحت «الحركة» في مرحلة «استفراد صهيوني مؤلم» بها في أعقاب الانقسام الفلسطيني الخطير والبائس. إلا أن «الحركة» استطاعت اليوم، عبر إضرابها، فرض نوع من الوحدة النضالية مجبِرةً سلطات الاحتلال على التفاوض مع قيادة الإضراب، وتحديداً مروان البرغوثي، وهم بهذا أفشلوا محاولات إجهاض الإضراب وتفكيكه. لذا، من المهم أن يعاد الاعتبار لدور الحركة الأسيرة الجمعي. ومن هنا نثمن اتخاذ المجلس الثوري لحركة «فتح» قراراً بتعيين عميد الأسرى كريم يونس عضواً في اللجنة المركزية للحركة، كخطوة ذات دلالات سياسية وإنسانية ونضالية كبيرة: فهو أولاً يأتي في إطار تكريم «عميد الأسرى» المعتقل منذ 35 عاماً، وهو ثانياً يعكس قيمة ومكانة الأسرى لدى الحركة الوطنية، وهو ثالثاً إعلان واضح للاحتلال بأن الأسرى أحد عناوين القضية الفلسطينية الرئيسية، الأمر الذي يعزز قوة الحركة الأسيرة. وقد شكل الإضراب الأخير وتداعياته دعوة مدوية ضد الانقسام ودعوة قوية إلى التخطيط المسبق. وفي هذا السياق، لابد دوماً من تنسيق فصائلي داخل السجون مع القيادة السياسية في الخارج، لأنه في ظل تجاهل الإعلام والانقسام العربي الذي لا تبدو له نهاية، تشكل القيادة السياسية الفلسطينية، المعترف بها عربياً ودولياً، نوعاً من الرافعة. لقد بذلت القيادة السياسية الفلسطينية والفصائل والشخصيات المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني، جهوداً معززة لحركة الأسرى، لكن يتوجب علينا التنويه هنا بالجهد المتميز لكل من عيسى قراقع وقدورة فارس، اللذين أشهد لهما بجهودهما، وهذا الحال يعلي من قيمة وجود المؤسسات المختصة المؤمنة بقضية الأسرى والمتابعة لها يومياً.