يمكن تصنيف زيارة الأسبوع الكامل للرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط وأوروبا في مستويات متفاوتة من حيث النجاح والأهمية. وقد جاءت الأخبار الجيدة من سلسلة اجتماعاته الناجحة التي عقدها في كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل ومقر السلطة الفلسطينية والفاتيكان. وقد جرت تلك الاجتماعات على ما يرام ولم تحدث فيها أخطاء تذكر، بل ترك الرئيس انطباعات جيدة لدى كل مضيفيه من دون استثناء. وأعرب كل من القادة العرب وأعضاء الحكومة الإسرائيلية عن تقديرهم لحرص الرئيس ترامب على تجنب الخوض في المواضيع التي تتثير خلافاً في المواقف والتصورات، وأشاد المسؤولون الإسرائيليون بتجنبه الحديث عن المشاريع الاستيطانية. واتفق الجميع على أن مواقف ترامب كانت إيجابية وتجسد التغير الكبير والمختلف كل الاختلاف عن مواقف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. ووفقاً لكل الحسابات، فقد تجنب الرئيس ترامب خلال زيارته لبابا الفاتيكان الخوض في المواجهات الحساسة التي كان بعض المنتقدين يتوقعون أن يثيرها الضيف للتعبير عن غضبه من مواقف البابا المناوئة له خلال الانتخابات الرئاسية، وهو ما يمكن اعتباره نجاحاً دبلوماسياً ملحوظاً للرئيس. لكن ما لبثت الأخبار أن تواردت حول وقائع زيارة ترامب لمقر حلف شمال الأطلسي «الناتو» في بروكسل، وأيضاً من داخل اجتماعات قمة دول الاقتصادات السبع الكبرى المنعقدة في إيطاليا. فقد ألقى محاضرة على قادة الدول الأعضاء في الحلف حول فشلها في إنفاق أموال أكثر على الدفاع، من دون أن يدعو بشكل واضح لتعزيز العقوبات ضد روسيا. وكان الأمر الأكثر لفتاً للانتباه في هذا الخصوص يتعلق بتملصه من الالتزام بالمادة الخامسة من نص معاهدة «الناتو»، والتي تدعو كل الأعضاء لتقديم الدعم العسكري لأي دولة عضو في الحلف إذا تعرضت لاعتداء من دولة أخرى. وتعد تلك المادة حجر الأساس في المعاهدة كلها، ولم يتم العمل بها إلا عقب هجوم 11 سبتمبر الإرهابي على الولايات المتحدة عام 2001. وفي ذلك الوقت هبّت كل دول «الناتو» لتقديم الدعم للولايات المتحدة عندما شرعت في عملها العسكري ضد تنظيم «القاعدة» في أفغانستان، وأرسلت العديد من دول الحلف جنودها أو شاركت في الحرب بطرق أخرى. ونظراً لدواعي القلق التي تسود أوروبا من سلوك روسيا في أوكرانيا وضغطها المتواصل والمستفزّ على دول البلطيق، بات من المفهوم السبب الذي دفع الحلفاء إلى الشعور بخيبة الأمل من التجاهل الذي أبداه ترامب لأهمية معاهدة حلف «الناتو». وعلى نحو مماثل، كان سلوك ترامب في قمة مجموعة الدول السبع مثيراً لقلق البعض. فقد وجه انتقاداً علنياً لألمانيا بسبب سياستها التجارية التي وصفها بأنها «سيئة»، لمجرد أنها تبيع ملايين السيارات في الولايات المتحدة، من دون الإشارة إلى أنها تصنع تلك السيارات في مصانع الولايات المتحدة ذاتها. وكان الأمر الأكثر إثارة لغضب الأوروبيين هو رفضه المشاركة في اجتماع الدول الأعضاء الست الأخرى من مجموعة السبع، وإعلانه عدم الالتزام بمعاهدة باريس المناخية لعام 2015. وكان من نتيجة ذلك أن خرج بيان «مجموعة الدول الست» مؤيداً لمعاهدة باريس، بالتزامن مع بيان ملتبس صادر عن ترامب يشير إلى أنه سيقرر قريباً ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدعم المعاهدة أو تنسحب منها. وكان تراجعه عن الدور القيادي في هذه القضايا موضعاً للإدانة من طرف الأوروبيين، وخاصة في ألمانيا التي ذهب الأمر بمستشارتها أنجيلا ميركل إلى حد الإعلان، بعد عودة ترامب إلى أميركا، بأنه على أوروبا «أن تحدد مصيرها بنفسها». وكانت هناك مناسبة خلال قمة دول حلف «الناتو» بدا فيها سلوك ترامب مثيراً لانتقادات وجهها كثير من خصومه. فعندما تحرك القادة لاتخاذ الوضع المناسب لالتقاط صورة تذكارية جماعية، ظهر ترامب وهو يدفع رئيس جمهورية الجبل الأسود «دوسكو ماركوفيتش» حتى يتمكن من احتلال موقعه في مقدمة المجموعة. وعلى الرغم من أن ماركوفيتش فضّل تجاهل ما حدث، فإن هذا التصرف أخذه كثير من منتقدي ترامب عليه. ولا يزال الوقت مبكراً جداً للحكم على ما إذا كانت مواقف وتصريحات الرئيس ترامب خلال رحلته الأوروبية سوف تترك أثرها المستدام على التحالف الأميركي الأوروبي، إلا أن الكثير من المنتقدين يعتقدون أن سمعة ترامب، وبالتالي سمعة الولايات المتحدة، أصبحت قضية تثير الكثير من الترقب في أوساط الحلفاء الأوروبيين. وهم الآن في حيرة حول ما إذا كان ترامب يفهم مدى أهمية قيادة الولايات المتحدة لهذا التحالف الناجح أم لا.