قبل رمضان كنت في الولايات المتحدة الأميركية، مزيج من الأعراق والحضارات تعيش في بقعة واحدة، نجحت في جلب أفضل عقول العالم لها، لأن التميز العقلي له قيمته المُضافة في ذلك المجتمع، ومن هنا نسبت أحدث الاكتشافات العلمية لأميركا، أو العالم الجديد إنْ قارنا بينها وبين أوروبا التي تمثل محوراً أساسياً للتقدم والمعرفة. أهل التاريخ سجلوا أن الإسلام وصل إلى أميركا في القرن السادس عشر، وقد جاوز عددهم اليوم الثلاثة ملايين مسلم، ورغم أنهم يعيشون في بلد متقدم في مجالات كثيرة فإن جل المسلمين في أميركا والغرب عموماً يعيشون على فكر الشرق ومنطلقاته الفقهية، وفِي ذلك تجاوز لقيمة كبيرة في الإسلام اسمها العالمية. فالقرآن لم ينزل على العرب كي يبقى في جزيرتهم، بل هو رحمة للعالمين كما نعرف نحن المسلمين، وهذا الأمر اقتضى في زمن الحضارة الإسلامية تنوعاً في الفقه يتناسب مع البعد الجغرافي الذي وصل له هذا الدين، فتجد أن المذهب المالكي انطلق في المدينة المنورة، لكن جزالته الفقهية تطورت كثيراً في بغداد حيث تلاقت الحضارات، كما أنه قفز خطوة أخرى في الأندلس، كل هذا لأن الوحي، أي الكتاب والسُنة، خالد كما نعلم، لكن تطبيق الوحي على الأرض يحتاج إلى اجتهاد اسمه الفقه، وإن تم تقديس الفقه وإنزاله منزلة الوحي عانت الأمة من خلل فكري اسمه الجمود الفقهي، واحسب أن المسلمين في الغرب وأميركا باتوا محبوسين في هذا الجمود الفقهي، الذي آن لهم أن يتحرروا منه وتكون لهم مدرستهم الفقهية الجديدة كما فعل أسلافهم في الأندلس. ما سبق ذكره هو فاتحة شهية لقصة حقيقية ذكرها لي من أثق بمعرفته في زيارتي الأخيرة لأميركا، ففي مستهل رمضان كل عام تجد أن المسلمين في أميركا يختلفون في بدء هذا الشهر، قادهم هذا الاختلاف إلى أن يصوم بعضهم وفق إعلان بلده الأم، وهذا فيه مجاوزة للصواب لأنهم يعيشون في قارة تبعد كثيراً عن المشرق. قال لي صاحبي: قبل رمضان اختلف الناس في المسجد الذي نصلي فيه كعادتهم في تحديد تاريخ بدء رمضان، ولما زادت الجلبة في المسجد اقترح عليهم صاحبي تشكيل لجنة لتطبيق سُنّة تحري رؤية هلال الشهر. قامت تلك اللجنة برحلة إلى أعلى جبل في منطقتهم، وانتظروا هلال الشهر، لم يتمكنوا من رؤيته رغم أن الحساب الفلكي أكد في أميركا ولادة الشهر. هنا قام صاحبي بالأذان لصلاة المغرب رغم أن الساعة التي بيده تشير إلى أن موعد الأذان بقي عليه دقائق، ضج الناس من حوله وقالوا له لم يحن وقت المغرب، قال لهم ألا ترون أن الشمس قد غابت، وهذا يعني دخول وقت صلاة المغرب، قالوا له بصوت واحد لكن بقيت دقائق حسب ساعاتنا على وقت الصلاة، هنا ضحك صاحبي وقال لهم سبحان الله تعتمدون الحساب لصلاواتكم اليومية، دون خلاف وترفضون نفس المبدأ لرمضان! لست فقيهاً كي أعلق على هذا الأمر، لكنني ذكرت القصة لأبين حاجة المسلمين في الغرب وأميركا إلى مراجع فقهية خاصة بهم لا تنتمي للمشرق العربي، إنهم بحاجة إلى علماء مسلمين أميركيين وأوروبيين. يجتهدون في قضايا الإسلام المعاصرة الخاصة بهم، لأن الكثير من القضايا هم بحاجة لها تخص مجتمعاتهم تبدأ من لباس المرأة المسلمة في مجتمعاتهم، والتعاملات المصرفية في بلدانهم أهم من ذلك كيف يتعايشون بسلام مع جيرانهم من المسلمين وغيرهم فهم في مجتمع مدني يضمن حقوقهم في مقابل قيامهم بواجباتهم.. وربما يفتح الله عليهم في علمهم كي نتعلم نحن من فقههم.