مثّلت المذبحة المروعة الأخيرة لـ29 مصرياً قبطياً رسالة تذكير مأساوية بشأن تعرض الأقليات الدينية للخطر في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط. وبصفتي كاثوليكياً مارونياً ولديَّ أسرة وأصدقاء في الشرق الأوسط، وأحمل شهادة الدكتوراه في مقارنة الأديان، ولديَّ خبرة عمل تزيد على 40 عاماً في أنحاء العالم العربي، فإن تلك القضية تمسني بصورة شخصية، وأعلم أنه في أجزاء كثيرة من العالم، توجد أقليات دينية تواجه تهديدات على بقائها أو تعاني مشكلات خطيرة من التمييز والقمع، والتحدي الذي يواجهنا هو كيفية المساعدة بطريقة لا تضر بتلك الأقليات المستضعفة. فقبل ثلاثة أعوام، تم تناول تلك القضية بصورة مباشرة من قبل 8 من آباء كنائس شرق أوسطية، يمثلون غالبية المسيحيين في الشرق الأوسط، حضروا مؤتمراً في واشنطن العاصمة، وكانت رسالتهم مؤثرة ومباشرة ومفادها: «إننا نحتاج مساعدتكم، ولكن المساعدة التي نحتاجها ليست تشويه المسلمين»، وعلى رغم أن محاولة تشويه الإسلام قد تلقى قبولاً لدى بعض الدوائر في واشنطن، فإنها لن تجدي نفعاً في مساعدة المسيحيين في الشرق الأوسط. ويبدو أن تلك الرسالة البسيطة لم ينصت إليها بوضوح صناع فيلم «حراس العقيدة» (فيث كيبرز)، الذي يعرض حالياً بدور السينما في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، وفي حين أن الهدف منه هو الدفاع عن المسيحيين في الشرق الأوسط، إلا أن «حراس العقيدة» يبدو هجوماً غير ذكي على الإسلام، إذ يمزج بين القصص الحقيقية للمسيحيين وغيرهم ممن يعانون على أيدي تنظيم «داعش» الإرهابي وبين تلميح ماكر وكاذب إلى أن ذلك الاضطهاد يكمن في جوهر العقيدة الإسلامية. وما يزيد الطين بلة أن الفيلم يخلط على نحو خاطئ بين أحداث تاريخية متباينة، مثل ما يسمى الإبادة في أرمينيا وطرد اليهود من العراق ودول عربية أخرى، والجرائم التي ارتكبها تنظيم «داعش»، كما لو أنها كانت جميعها نتاج رغبة «متأصلة» في الإسلام لاجتثاث غير المسلمين من المنطقة، غير أن ما يتجاهله «حراس العقيدة» هو حقيقة أن الإبادة في أرمينيا تتهم بارتكابها حركة علمانية في تركيا هاجمت جميع الأعراق غير التركية، ومنهم الأكراد المسلمون، وأن طرد اليهود عقب عام 1948، كان ردّاً على عمليات «التطهير العرقي» التي ارتكبها الإسرائيليون بحق مئات الآلاف من المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين. وعندما يتناول «حراس العقيدة» وضع المسيحيين في العراق وسوريا، يخفق في توضيح أنه من الناحية التاريخية، كان المسيحيون يعيشون بشكل جيد في كلتا الدولتين، قبل أن تندلع الحرب الأهلية في سوريا، والغزو الأميركي للعراق، على نحو أفضى إلى انهيار الحياة هناك، وتمكين الحركات الطائفية المتطرفة في كلتا الدولتين، وهو ما جعل المسيحيين وسكان الدولتين بأسرهم معرضين للخطر. وعندما تحدث الفيلم عن خروج المسيحيين من الدول العربية خلال القرن الماضي، أخفق في فهم أن السبب لم يكن الإسلام، وإنما حملت عوامل متعددة المسيحيين وبعض النخب من غيرهم على مغادرة الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال كانت للمسيحيين علاقات، من خلال كنائسهم، مع الغرب، وعندما سعوا للحصول على فرصة، كانت الولايات المتحدة والدول الغربية هي الأماكن المرغوبة، كما أن هناك كثيراً من المسلمين غادروا أيضاً لأسباب مماثلة، بيد أن بعضاً منهم وجد في دول الخليج أو في أفريقيا ملاذات مضيافة وأكثر ملاءمة. ولكن لا شيء من ذلك يهم بالنسبة لـ«حراس العقيدة»، ولا سيما أن هدفه الأساسي هو تشويه الإسلام، ولن يكون غريباً أن نطرح ذلك الزعم عندما ننظر عن كثب إلى فريق الإنتاج الذي صنع الفيلم، ومموليه، وأولئك الذين يروجون له، إذ إن لمعظمهم سجل مروّع من تأييد عدد من الأفلام والمنظمات التي تروج لدعاية مناهضة للمسلمين. والفيلم من إنتاج مشروع «كلاريون بروجيكت»، الذي شارك في إنتاج وإخراج وتوزيع أفلام أخرى، من بينها «الهاجس» و«الجهاد الثالث»، وقد تعرضا لانتقادات باعتبارهما عملين يروجان لكراهية المسلمين، ومؤسسو «كلاريون» هم موظفو منظمة «آييش هاتوراه» الموالية لإسرائيل، ولها مكتبان أحدهما في إسرائيل والآخر في الولايات المتحدة. ويحصل «كلاريون» على تمويل من بعض المصادر التي مولت حملات معادية للمسلمين مثل «باميلا جيلار» و«ديفيد هورويتز» و«روبرت سبنسر» و«بريجيت جابرييل». وفي النهاية، إذا كان هناك أي تساؤل حول الهدف من «حراس العقيدة»، فإن الإجابة عليه تكمن في مقدمة الفيلم التي تؤكد أنه يرتكز على مقال كتبته «آيان هيريسي علي»، المناهضة للمسلمين، والتي وصفت الإسلام بأكثر التعبيرات عدائية. والحقيقة أن المجتمعات المسيحية المستضعفة تحتاج إلى الحماية والمساندة، ولكن ما لا تحتاجه هو أن تكون بيادق في محاولة يائسة لتشويه أي دين آخر.