مع تسارع وتيرة التنمية الاقتصادية في الدولة، وفي ظل بروز العديد من الإشكاليات التخطيطية وتنامي الدعاوى إلى حل هذه الإشكاليات، التي يبرز من بينها بطالة المواطنين والتركيبة السكانية والتوطين وغلاء الأسعار وظاهرة الاحتكارات السعرية وغير ذلك، والملاحظ أن كثيرا من النقاشات والسجالات التي تدور حول قضايا داخلية ملحّة تتوصل غالبا إلى ما يمكن تسميته اصطلاحا أو مجازا بتوصيات أو مقترحات يدعو بعضها إلى إنشاء هيئات حكومية جديدة أو مجالس حكومية عليا للتوطين وآخر للسكان وثالث للبطالة ورابع للرقابة على الأسواق وهكذا.
هذه الدعوات تقف وراءها نوايا حسنة، ولكن ليس بالنوايا وحدها يمكن أن تعالج المشكلات من دون "أعراض جانبية" أو استحداث مشكلات مجتمعية جديدة، وحقيقة الأمر أن الحلول قد لا تأتي على هذه الشاكلة، وأن إنشاء مجالس أو هيئات حكومية عليا قد لا يعني سوى إضافة مزيد من التضخيم والتعقيد على المشكلات القائمة، والتي يفترض أن هذه الهيئات المقترحة تنشأ من أجل حلها، أما كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ فالرد يكمن في أن الهيئات والمجالس العليا المتخصصة التي يقترحها البعض ستأخذ لا محالة سنوات وسنوات يعلم الله مداها حتى تدرس وتضع توصيات ومقترحات وتشكّل لجانا عليا تنبثق عنها لجان فرعية ثم تنقسم هذه بدورها إلى مجموعات عمل تتابع دراسة المشكلات ووضع الحلول!! وبالطبع ستلجأ هذه الهيئات والمجالس العليا إلى تعيين مزيد من "العمالة الوافدة التي تحتاج بدورها إلى كثير أو قليل من الوقت للدراسة والتأمل والفهم قبل أن تضع بصماتها على المشكلات التي استقطبت للبحث في حلول لها، وتتحوّل المسألة إلى هدر للوقت والمصالح والنتيجة لن تخرج على الأرجح عن تغذية تضخم ملف التركيبة بأرقام إضافية جديدة تعمل في هذه الهيئات! والجانب الأهم من هذه التأثيرات التي ستنجم عن التفكير بطريقة كهذه أننا سنضع "بطيخة صيفي" في بطوننا، وننام هادئين انتظارا لحلول سحرية يفترض أن هذه الهيئات والمجالس ستأتي بها إلينا، ولكن ما سيحدث في أغلب الأحوال أن الهيئات المقترحة ستفاقم أي عجز إداري حالي في مواجهة المشكلات، لأن أي هيئة جديدة ستضيف في الواقع ترهلا للجهاز الإداري وستضم إلى جيوش الموظفين الإداريين أرقاما ـ أو بالأصح عراقيل ـ جديدة في هيئات يفترض أن مهمتها حل المشكلات. لا نختلف على أن التخصص ومبدأ تقسيم العمل يعدان نتاجا للتطور التاريخي للبشرية، ولكن واقع الحال ربما يوحي بعكس هذه الحقيقة، ويؤكد أن تعدد جهات الاختصاص يؤدي إلى تضارب السلطات وتنازعها بدلا من تكاملها والخاسر بالنهاية المصلحة العامة، وبالتالي فإن من الأحرى أن نبحث جميعا عن حلول ناجعة لمشكلاتنا بعيدا عن أروقة البيروقراطية المعقدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية