منذ أن لفّقت قطر لغز اختراق وكالة الأنباء القطرية، وتمرير تصريحات لأمير البلاد ضد دول الخليج، إلى قرار قطع العلاقات معها، وكل يوم تنكشف وتنفضح الحقائق ويظهر للملأ العديد من الأسرار والدسائس التي كانت تعمل في خفاء وتمارس دورها بدهاء. أجندات ممنهجة ضد دول مجلس التعاون بالتحديد، والمنطقة العربية بشكل عام، تعمل بها قطر من تحت طاولة دول المجلس، في سعيها المسموم للعب دور مشبوه لا يحمل في طياته رائحة النزاهة والشهامة، ومن ضمن ذلك طبعاً توجيه «تجار الدين» تارة، والتقارب مع أعداء الأمة تارة أخرى، للتآمر على أشقائها العرب الذين تجمعهم معها وحدة المصير واللغة والدين. ولو رجعنا قليلاً إلى عدة سنوات واسترجعنا تسريب المكالمات «المخزية» بين حمد بن خليفة والقذافي، التي كان في باطنها الكثير من الغل والحقد والبغضاء والضغينة ضد المملكة العربية السعودية، والمنطقة بالسعي لاستمالة بعض أصحاب النفوس الضعيفة من رجال الدين، وترويضهم وتجنيدهم في تأليب الرأي العام وخلق الفوضى، لتأكدنا حينها أن ما يحصل اليوم من أحداث وأهوال ليس إلا نتيجة واضحة وملموسة لتلك المخططات والأجندات، في سعي قطر للتآمر الأنظمة الشرعية الحاكمة، وهدفها البعيد لتغير الخريطة العربية، وعملها الخفي لتقسيم الدول ودعم هرج الثورات والفوضى بحجة ترويج الديمقراطية مع أن قطر نفسها، للمفارقة، لا تدعي وصلاً من أي شكل أو نوع بالديمقراطية! ولعل الدور الأخطر الذي لعبته قطر كان في استمالة بعض «الملتحين» من تجار الدين وتوظيفهم حسب مزاجها، حتى أصبح الدين عند هؤلاء الدعاة الجدد، المؤلّفة جيوبهم، يُفصّل وفق الأجندات والدسائس القطرية، وهو ما يوصلنا في المحصلة النهائية إلى رجال دين لا علاقة لهم بالدين نفسه في نقائه وصفائه من قريب أو بعيد، إذ يغدو الدين عندهم مجرد ورقة قابلة للتوظيف وفق الحاجة، وحسب المصلحة، فإن كانت المصلحة مع زعيم معين فكل الأبواق تنادي ببطولاته وتفاخر بإنجازاته، وإن كانت المصلحة ضد نظام معين فإن جميع تلك «اللحى» المأجورة تنادي بضرورة الخروج على ذلك النظام، وإن كانت التكلفة إزهاق الأرواح وإراقة الدماء، فهؤلاء الدعاة الجدد، المؤلّفة جيوبهم، لا همّ لهم سوى تدفق الريالات القطرية عليهم كالوابل من السماء، بالإضافة إلى دورهم المشؤوم في بث السموم باستغلال المساجد والمنابر لحشد التجمعات والتحريض على الأنظمة، وتسهيل مهمتهم كـ«أبواق» ارتزاق تدعو في الظاهر ومن طرف اللسان، رياءً ونفاقاً، إلى «الحق»! ولكن المراد منه الباطل والضلال وتفريق كلمة المجتمعات! ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات صورة لشيك بقيمة 7 ملايين ريال قطري للمدعو محمد العريفي، مصروف من بنك الدوحة. ومعروف أن العريفي مشهور بفتاواه وتصريحاته المغرضة والداعمة لجماعة «الإخوان» الإرهابية وسياسات دولة قطر المتخبطة، وقد وصل به التطرف في دعوته إلى حد دعوة الشباب العربي للانضمام إلى الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا، وإلى تنظيم «القاعدة» الإرهابي، كما وصل تطرفه إلى حد منعته معه عدة دول عربية من دخول أراضيها، كما منعه العديد من الدول الأوروبية أيضاً. ولم يكن مفاجئاً أن تظهر صورة لأحد الشيكات التي تمثل جزءاً من الثمن الذي يحصل عليه محمد العريفي من قطر، فالعريفي يُعرف أنه صاحب أفكار متشددة ومشهور بعلاقاته بالعديد من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «القاعدة». هو متناقض حتى مع نفسه، ففي الوقت الذي يقوم فيه بحثِّ الشباب على «الجهاد» والخروج على الحكومات فإنه يستغل الوقت ليذهب ليمضي عطلته في أرقى دول العالم، فالرفاهية التي يعيش فيها العريفي، ومن شابهه من مشايخ الضلال، بأموال قطرية جعلت أمرهم واضحاً ومكشوفاً، ومصداقيتهم زائفة وفتاواهم تالفة، وهذا ما ينبغي أن يعرفه المغرر بهم من المتابعين والذين يظنون فيهم الخير. لقد عمل مشايخ الفتنة عبر تجيير الدين لخداع المؤمنين البسطاء الذين يمثل الدين رأسمالهم الرمزي الوحيد، فيستغله أولئك لتوجيه حربته إليهم وإلى مجتمعاتهم مجدداً، وفي ذلك يقفزون على حبال المواقف المتذبذبة تبعاً لساحة الصراع، بطريقة فضائحية وأكبر من أن يتحملها أي دين، فباسم أي دين ينطق هؤلاء؟ وكذلك المدعو القرضاوي الذي أيّد وحرّض وأدى كل تطرف وعنف، ولعب دوراً كبيراً وخطيراً في تجييش المشاعر الدينية ضد الأنظمة السابقة في كلّ من تونس ومصر وليبيا وسوريا، إلى درجة أنّه قد أباح قتل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي الذي كان يصفه سابقاً بأنّه «سيف الله على الأرض». فتأمّل كيف يقفز هؤلاء من الموقف إلى نقيضه بحسب تبدل المصالح الشخصية وتذبذب المواقف القطرية، التي تدفع لهم «المقسوم»، والمبلغ المعلوم، عداً نقداً، ولا شأن للدين بكل ذلك، والآن بعد كل ذلك تأتي مواقف دول الخليج في قطع علاقاتها مع قطر كنتيجة طبيعية لكل فعل مشين ومخز من النظام القطري.