تشكل رئاسة دونالد ترامب تغييراً كبيراً في مسار الحكومة والسياسة والثقافة الأميركية، وكما هو الشأن بالنسبة لإدارته، تمثل الحركة التي أوصلته إلى سدة الحكم في البيت الأبيض ظاهرة تستحق التأمل والدراسة، حسبما يرى رئيس مجلس النواب الأميركي الأسبق «نيوت جينجرتش»، في كتابه الجديد الذي نعرضه هنا، وعنوانه «فهم ترامب»، والذي كتب مقدمته نجل الرئيس الأميركي «إريك ترامب». ويتهم «جينجرتش» في كتابه وسائل الإعلام والنخب السياسية الأميركية بالرفض المسبق لأي محاولة ترمي إلى فهم دونالد ترامب، معتبراً أنهم سارعوا إلى معارضته منذ أول لحظة، بسبب التزامهم الأيديولوجي بالقيم اليسارية، وبسبب خوفهم من المستقبل، لذلك نجد أنهم لا يتوقفون لحظة لتدبر نجاحه الاستثنائي. ويدلل جينجرتش على استثنائية ترامب، بالإشارة إلى أنه هزم 12 مرشحاً جمهورياً في المنافسات التمهيدية، وكان معظمهم مرشحون من الدرجة الأولى، ومن حكام وبعض أعضاء مجلس الشيوخ وقادة في قطاع الأعمال.. كما أنه انتصر على آلة الحملة الإعلامية لهيلاري كلينتون التي أنفقت مليارات الدولارات لتلميع صورتها وتشويه صورة خصمها الرئيسي ترامب. ويعتبر المؤلف أن ترامب ليس كمثل أي رئيس أميركي تولى المنصب من قبله، فهو الشخص الوحيد الذي تم انتخابه ليصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، ولم يكن لديه من قبل أي منصب عام، ولم يخدم في الجيش، وإنما يستمد مبادئه وذخيرة خبرته من خمسة عقود من النجاح في قطاع الأعمال والتلفزيون، لذا فهو يتصرف بطريقة تختلف عن السياسيين التقليديين كافة. وفي «فهم ترامب»، يتقاسم «جينجريتش»، الذي تم تعيين زوجته سفيرة للولايات المتحدة لدى الفاتيكان، ما تعلمه طوال عامين ساعد فيهما ترامب وفريقه في حملته الانتخابية، وأثناء الأشهر الأولى من رئاسته. لقد أدرك ترامب أنه في ضوء ترشحه كقادم من خارج النخبة السياسية، فإنه كلما بدا سياسياً، اختزل رسالته المختلفة وغير التقليدية، لذا فقد تخلى عن إعداد ملاحظاته، وتحدث على سجيته الخاص. وهكذا في الواقع كان خياره القاضي بالمضي قدماً من دون حماية النصوص المكتوبة، هو ما دفع خصومه إلى اتهامه بالتشتت، بحسب المؤلف. وألمح «جينجرتش» إلى أن ترامب أدرك بأن معظم الأميركيين يعتقدون أن أصواتهم لم تكن مسموعة، وأن الأشخاص الذين يمكن للسياسيين سماعهم هم فقط أولئك الذين يستطيعون تحرير الشيكات، لذا فقد قضى الرجل وقتاً طويلاً في التفاخر بثروته، حيث وعد بتمويل حملته ذاتياً، ودون الحاجة لجمع التبرعات. ويحاول المؤلف تسليط الضوء جانب آخر لا يقل أهمية، ألا وهو كيفية تشكيل الخبرات السابقة لحياة الرئيس ترامب ونموذجه المثالي في الحكم، كما يسعى لتحليل طريقة ترامب في التفكير وإدراك القضايا واتخاذ القرارات، وكذلك فلسفته ومذهبه وأجندته السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتتناول صفحات الكتاب مناقشة تفصيلية للرؤى والحلول التي يطرحها ترامب حول مشكلات الأمن القومي والتعليم والرعاية الصحية والنمو الاقتصادي والإصلاح الحكومي من منظور ترامب، غير أن «جينجريتش» يشير بأصابع الاتهام إلى قوى من النخبة في واشنطن ووسائل الإعلام والجهاز البيروقراطي.. تسعى إلى وضع عراقيل في وجه ترامب عند كل منعطف. ويتصور «جينجرتش» أن نحو 10 في المئة من مشكلات ترامب نابعة من أخطاء البيت الأبيض، وأن 90 في المئة منها تعود إلى وسائل الإعلام الأميركية، التي يرى أنها تحاول في صباح كل يوم تشويه وتقويض رئاسة ترامب. ويعرب المؤلف عن سأمه من العناد الذي تبديه وسائل الإعلام الأميركية حيال الرئيس ترامب، ويعتبرها مدمرة ومثيرة للاشمئزاز وخطيرة على أميركا في الوقت الراهن، ويرى أن على الرئيس نقل قاعة الإحاطة الصحفية في البيت الأبيض إلى أقرب مقهى لـ«ستاربكس»، وأن المتحدث باسم البيت الأبيض «سين سبايسر» يمكن أن يتلقى الأسئلة من الشعب الأميركي مباشرة، وليس من صحفيين لا يقدرون المسؤولية الحساسة لمهنتهم، مضيفاً في هذا الخصوص: «عليه أن يقول للأميركيين فقط إن لهم حرية الاختيار». ويعتقد المؤلف أن إغلاق قاعة الإحاطة الصحفية في البيت الأبيض، كما يقترح، من شأنه أن يحمل إلى الشعب الأميركي رسالة مفادها أن «بعض وسائل الإعلام فاسدة، وأنه سئم من مضايقات أشخاص همهم الوحيد هو جعله يبدو سيئاً في نظر الداخل والخارج». ويفسر «جينجرتش» في «فهم ترامب» إجراءات الرئيس حتى الآن، ويضع رؤية لما يمكن للأميركيين فعله كي يساعدوا في نجاح أجندة ترامب، مؤكداً أن الرئيس يدين بمنصبه للأشخاص الذين آمنوا به كمرحش، وليس للنخب في الحكومة أو وسائل الإعلام الذين زعموا عدم قدرته على الوصول إلى المنصب. ويسلط «فهم ترامب» الضوء على النشاط الكبير والمثمر للرئيس خلال الأشهر القليلة المنقضية من رئاسته، معتبراً أنه حقق بالفعل تغييراً كبيراً وانتصارات مهمة، لكن المؤكد، من وجهة نظر «جينجرتش» أن ترامب يتعلم بسرعة كبيرة جداً، وأن هذه السرعة تُحسّن تعلمه، لذا فإن من أهم الملامح في رئاسته كيفية التغلب على الفجوات في معرفته بحكومة المؤسسات. ويرى أن جوهر مهمة ترامب هو الرغبة في وضع سياسات وتحديد أهداف تضع الولايات المتحدة في مسار جديد وقوي، ربما يكون «غير منطقي» بالنسبة للنخب في واشنطن، لكنه مفهوم لملايين الأميركيين خارج السلطة. ويؤكد المؤلف أن ترامب يمثل قوة تغيير في واشنطن، قلّما نرى مثلها في التاريخ الأميركي، وانتخابه فرصة هائلة لهدم الجدران العالية والليبرالية والنخبوية، وتمهيد للطريق أمام مسار جديد شجاع وخلاق، يقوده الشعب ومؤسساته مرة أخرى. وائل بدران الكتاب: فهم ترامب المؤلف: نيوت جينجرتش الناشر: سنتر ستريت تاريخ النشر: 2017