ـ ــ ـ ـ ـ ــ ـ ــ ـ ــ شميرا إبراهيم* ـ ـ ـ ـ ــ عمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بكل جد على تنفيذ وعوده بتشكيل حكومة تحتوي الجميع، واختار مجلس وزراء من جميع الأطياف والخلفيات السياسية. والنساء يمثلن نصف الوزراء، ومن بينهن امرأة تشغل منصب وزير الدفاع، وبطلة أولمبية سابقة تشغل منصب وزيرة الرياضة. لكن عدم المساواة العرقية والخوف المرضي من الأجانب مازال شديد الانتشار في فرنسا. وتعرض «ماكرون» لانتقادات الأسبوع الماضي لإطلاقه نكته سخر فيها من محنة مواطنين من دولة جزر القمر يركبون قوارب صيد صغيرة في محاولة للوصول إلى جزيرة «مايوت» المجاورة الخاضعة إدارياً لفرنسا، والتي كانت جزءاً من جزر القمر لكن فرنسا استعادتها بعد الاستقلال. وأصدرت حكومة جزر القمر بياناً طالبت فيه بالاعتذار، وظهرت احتجاجات كبيرة من السكان المنحدرين من جزر القمر في فرنسا، خاصة في مارسيليا وباريس. واستخدم «ماكرون» خطاباً تقدمياً، مشيراً إلى أنه يؤيد الاحتواء والحدود المفتوحة وإعادة الاستثمار في الاتحاد الأوروبي. لكن مبادراته المقترحة غير مرضية في قضايا تتعلق بالمساواة في الداخل للأقليات العرقية في فرنسا. وفي الفترة السابقة على الانتخابات تعهد «ماكرون» بإضافة نحو 10 آلاف فرد شرطة استجابة على تزايد الهجمات الإرهابية في العامين الماضيين. وهذا المسعى لا يروق الطبقة الدنيا من المهاجرين المحرومين من الحقوق في فرنسا، الذين لهم علاقة خصام مع قوات تنفيذ القانون. ففي العام الماضي وحده تعرضت الشرطة مرتين لإطلاق نار من تجمعات سكانية من المهاجرين في ضواحٍ ومبانٍ عالية متعددة الطوابق في أطراف باريس، بسبب عنف من الشرطة مبالغ فيه. وفي 19 يوليو من العام الماضي، توفي «أداما تراوري»، البالغ من العمر 24 عاماً، وهو ابن مهاجرين من دولة مالي في ظل ظروف مثيرة للريبة بعد ساعات فحسب من احتجاز الشرطة له، لأنه لم يكن لديه وثائق هوية ملائمة. وتمخضت مطالبات تالية بالعدالة من الجالية بصفة عامة، ومن الأسرة بصفة خاصة، عن اتهامات مضادة والحكم على «شقيقي تراوري»، «باجيو ويوسف»، بالسجن لمدة بضعة شهور نتيجة تهديداتهم وارتكابهم لأعمال عنف أثناء محاولتهم الحصول على أجوبة على أسئلتهم في اجتماع لمجلس المدينة في نوفمبر الماضي. وفي أعقاب هذه المأساة، ذكرت تقارير أن أفراداً من الشرطة الفرنسية اغتصبوا شاباً يدعى «تيو» (لم يُعلن عن اسم العائلة حمايةً له)، يبلغ من العمر 22 عاماً، في الثاني من فبراير الماضي بعد أن تم توقيفه لمجرد أنه كان وسط مجموعة كبيرة. وزعم مدعون فرنسيون في وقت لاحق أن شكوكاً حامت حول وجود نشاط يتعلق بالمخدرات في المنطقة التي اعتقل فيها. ورغم أن «تيو» نجا بحياته لكنه تعرض لجراحة لإصلاح الجروح التي أصيب بها نتيجة الاعتداء. وكانت تقارير قد أشارت في بداية الأمر أن الحادثة من صنع «تيو». واشتعلت الاحتجاجات على مدار أسابيع عقب هاتين الحادثتين وما تلاهما من سلسلة اعتقالات. وكل هذا استحضر وعياً مأساوياً بأن الشرطة لا تبالي بحياة الشبان والشابات الملونين في فرنسا. وبالنسبة لاحتمال تعزيز قوة الشرطة، فإن هذا لا يريحهم بل يزيد مخاوفهم وعدم ثقتهم. وتشير تقارير إلى أن ما بين 60% و70% من نزلاء السجون من المسلمين، ومن المنحدرين من أصول المهاجرين الأفارقة، رغم أن الغالبية العظمى من الهجمات الإرهابية ينفذها مواطنون فرنسيون. ولا يوجد دليل على أن هذه الاتجاه سينتهي في ظل رئاسة ماكرون، بل إن إجراءاته ستعزز الضغوط على المهاجرين الأفارقة بدلاً من أن تسعى للعثور على مبادرات هيكلية تخاطب بالفعل قضايا فرنسا الأمنية. وربما وضع ماكرون نفسه وحكومته في صورة فرسان التقدم من أجل المضي بفرنسا إلى الأمام، لكن المبادرات المقترحة بالنسبة للأقليات والملونين تعكس استمراراً لفقدان الحقوق. وبينما لا جدال في أن التقدمية أمر مستحب، لكنها تُلزم في الوقت نفسه الزعيم الفرنسي الجديد بأن يضمن أن تحسن أي مبادرة حال الأقلية السكانية للبلاد. والقيام بهذا يتطلب قبول واقع أن العنصرية في فرنسا قد تكون مؤسسية كما هو الحال تماماً في الولايات المتحدة. شميرا إبراهيم* *كاتبة مقيمة في بروكلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»