لا أحد حتى هذه اللحظة يمكنه أن يفسر لنا عبر وسائل الإعلام التي لا تني في كشف المخططات الشريرة للقيادة القطرية، ولماذا قطر لا تزال حليفاً قوياً للولايات المتحدة الأميركية، وهي دولة راعية للإرهاب وداعمة للتطرف؟! لم يفسر لنا علماء السياسة الذين تعج بهم وسائل الإعلام، إن كنا الآن نعيش ولادة تشكل مفاهيم جديدة للسياسة الدولية، تعتمد سياسة الانتقاء والتعامل مع دولة واحدة وفق أكثر من سياسة، أي عبر سلة من السياسات المختلطة تعتمدها الدولة العظمى إزاء أخرى راعية للإرهاب، فتكون فيها هذه الدولة المدانة دولة حليفة ضد الإرهاب، وصديقاً وعدواً، وشريكاً وعميلاً في الوقت ذاته؟! هل العلاقة بين الدول مصالح فقط، أم أن ثمة أهدافاً خيِّرة تستبطن هذه السياسات المتناقضة؟ ألا تتعين قراءة المصالح الأميركية الجديدة، والتعمق في فهم المتغيرات وبناء الاستراتيجية على ذلك؟ وهل هناك تحول حقيقي في موقف الولايات المتحدة وأوروبا من إيران؟ لماذا أوروبا، وعبر ألمانيا قائدة الاتحاد بدوله السبعة العشرين، تكاد تتخذ موقفاً موحداً متعاطفاً مع قطر ومتفهماً لشكاوى جيرانها وأشقائها؟! العلاقة بين الخليج وأميركا يجب تجزئتها، فهي ليست كلاً لا يتجزأ، ليست كل شيء أو لا شيء، وليست متشابهة مع كل طرف. لا بد من تقسيم الجهات التي يتم الحديث معها. دليل ما أقوله التناقضات التي تبدو لنا في تصريحات الرئيس الأميركي ترامب مقارنة بتصريحات كبار وزرائه ومسؤولي حكومته، ومقارنة تغريدات ترامب نفسه بسياسة أميركا على الأرض. بعد إعلان ترامب أن قطر تدعم الإرهاب على أعلى مستوى، بعدها بأيام قلائل تعلن قطر عن صفقة ضخمة مع أميركا وتدريبات مشتركة بين البلدين. لماذا الاتحاد الأوروبي وأميركا يرون واجبهم ينحصر في الوساطة بين قطر وجيرانها الذين قاطعوها، لا أكثر؟ كيف يستوي المجرم والصالح؟ وهل قامت القنوات الفضائية لدولنا بمناقشة هذه المسألة بالذات؟ السؤال المركزي هو: ماذا تحتاج أميركا من دولنا التي قاطعت قطر؟ وماذا تحتاج دولنا من أميركا؟ وأين التقاطع والانفصال؟ وكيف نقيس نجاح الزيارات لوفود دبلوماسيتنا إلى الاتحاد الأوروبي وأميركا ونجاح الحملات الإعلامية لقنواتنا ووسائل إعلامنا ومساعينا لفضح دولة خليجية راعية للإرهاب، مقارنة بقلق الأوروبيين والأميركيين من قطيعة الأشقاء وليس من إرهاب نظام مارق؟ يقول أحد الباحثين في الشأن الخليجي: «الصين وإيران، مثلاً، صورتهما سيئة ولكن مع ذلك تمضي مصالحهما بطرق مختلفة». المسألة مع إيران لم يتم توظيفها كدراسة حالة مهمة جداً. ولا أعني هنا النظر في طريقتها، فلكل دولة خصوصيات تتطلب مقاربات مختلفة، لكنها نموذج مهم يعطينا رسالة: إن كونكَ مكروهاً من الشعب أو الإدارة أو الكونغرس لا يعني شيئاً إذا كانت العلاقة معك فيها مصلحة لأميركا. الصين مثال مهم. دول تنافس أميركا، لكنها مع ذلك تنجح بطرق ما. من الواضح أن حلفاءنا الأميركيين والأوروبيين سيتخذون سياسة تعتمد أخذ الحيطة مستقبلاً في تعاطيهم مع قطر مراعاة لمشاعر دولنا التي تضررت من سياسات قطر. ليس أكثر من مراعاة. هناك عقلية أميركية ترى فينا تجاراً في صفقات شراء الولاءات. علينا أن نثبت لهم أن أمن بلداننا من أمن بلدانهم، وأن استقرار مجتمعاتنا مرتبط عضوياً باستقرارهم. علينا التأكد من أنهم لا يروننا مجمعات إرهابيين، ولكن بألوان متعددة.