ليس لدى المملكة المتحدة من الوثائق المعلنة عن موقفها في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي إلا خطاب سلمته للاتحاد يوم 29 مارس الماضي لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة التي تحدد إجراءات إنهاء العضوية في التكتل. والوثيقة محدودة التفاصيل، والمؤلفة من ست صفحات، أشارت إلى «وضع مواطنينا في المقام الأول» و«إعطاء الأولوية لأكبر التحديات»، مثل اتفاق التجارة الحرة بين التكتل والمملكة. والنبرة الواثقة في الوثيقة أوحت بأن الحكومة البريطانية ستحاول وضع قائمة أولويات بشأن المحادثات، لكن في الشهور التالية، دعت رئيسة الوزراء تيريزا ماي إلى انتخابات تسببت نتيجتها في إضعاف ماي إلى حد كبير. وتذهب ماي إلى المحادثات بحكومة أقلية وبأضعف صفقة ممكنة مع حليفها المحتمل في البرلمان، وهو «الحزب الوحدوي الديمقراطي» الأيرلندي. وبالمقابل، استعد الاتحاد الأوروبي للأمر بعناية شديدة. ففي مايو الماضي، أصدر التكتل وثيقة بشأن التفاوض من 17 صفحة تحدد مجالات الحوار التي يجب تناولها قبل مناقشة مستقبل العلاقة بين التكتل والمملكة، مثل حقوق المواطنين، والتسوية المالية التي تغطي التزامات المملكة المتحدة تجاه التكتل (فاتورة الخروج)، وحالة البضائع الموجودة في السوق قبل أن تصبح المملكة طرفاً ثالثاً، كما قدمت المفوضية الأوروبية وثائق تفصل الموقف فيما يتعلق بقضيتين مبكرتين، حقوق المواطنين والتسوية المالية. وغياب الوثائق الشارحة للموقف البريطاني يعني أن مفاوضي ماي سيرتجلون. وفي بروكسل هناك شفقة تتزايد بشأن محنة ماي، لكن الاتحاد الأوروبي لا تحركه العواطف في العمل، فهو يتفاوض بمنهج مدروس ووفقاً لجدول معد سلفاً، فالاتحاد الأوروبي يعمل كبيروقراطية بامتياز، وقد نشر مخططاً رسمياً لتراتبية فريقه المفاوض. وفيما يتعلق بحقوق المواطنين، يقدم الاتحاد تسوية سخية، لكنها تمنع الحرية التي يجيزها لحركة الأوروبيين المقيمين في المملكة المتحدة ولحركة البريطانيين المقيمين في أوروبا حين تنفيذ اتفاق الخروج. والمقترح يغطي أفراد الأسر الذين يعيشون في مكان آخر ويحمي الطلاب ويقدم تأميناً اجتماعياً كاملاً في الجانبين. ولأن هناك نحو ثلاثة ملايين من مواطني الاتحاد الأوروبي يعيشون في المملكة المتحدة، ونحو 1.2 مليون بريطاني في السبع والعشرين دولة المتبقية في التكتل، فإن هذه الصفقة في ظاهرها أكثر نفعاً للاتحاد الأوروبي. وفي مسح أجري، قال نحو نصف عمال الاتحاد الأوروبي المهرة العاملين في المملكة إنهم يعتزمون مغادرة البلاد قبل خروجها من التكتل. صحيح أن خوف بعض البريطانيين من الأجانب هو ما حفزهم على التصويت لصالح الخروج من التكتل، لكن على الحكومة أن تتصدى لاستنزاف المهارات. ومع الأخذ في الاعتبار مستوى الاستعداد الأفضل لمفاوضي الاتحاد الأوروبي، فمن المرجح أن يكون الاتفاق النهائي بشأن حقوق المواطنين قريباً من موقف الاتحاد الأوروبي. وفيما يتعلق بالتسوية المالية، تحدد الوثيقة الخاصة بموقف التكتل ما يدين به الاتحاد للمملكة وما تدين به المملكة للاتحاد. ولم يحدد التكتل مبلغاً معيناً، وهذا من المفترض أن ييسر للتكتل إيجاد اتفاق يحفظ ماء الوجه ويطيل أجل السداد. ويرجح أن يستطيل أمد محادثات التسوية بسبب النهج البيروقراطي للاتحاد الأوروبي في مثل هذه المسائل الفنية. ولم يعلن الاتحاد الأوروبي بعد نهجه في نقاط التفاوض الأخرى، لأنه لا يتوقع بدء المحادثات في الجوانب الأخرى خلال الأسابيع أو الشهور المقبلة. وهذه حكمة سياسية، لأن الاتحاد ليس متأكداً مما إذا كان سيتفاوض مع ماي أم مع شخص آخر في نهاية هذا الشهر أم نهاية العام الحالي، والحبو ببطء هو الطريقة المعقولة الوحيدة لمعالجة العملية. لذلك يمكن استبعاد مناقشة القضايا التي لا يحتدم النقاش حولها إلا في المملكة المتحدة، مثل احتمال التوصل إلى اتفاق تجارة انتقالي يبقي المملكة في السوق الأوروبية المشتركة، مثل النرويج، أو في الاتحاد الجمركي مثل تركيا. وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا استطاعت المملكة ربط التجارة بقضية حقوق المواطنين والطريقة الوحيدة التي يمكنها بها هذا تتمثل في قبول حرية حركة الأشخاص داخل التكتل، وقبول الخيار النرويجي منذ البداية، لكن حكومة ماي تتمسك بوضع عراقيل على الهجرة باعتبارها الصلة الوحيدة المرتبطة بمن صوتوا بالموافقة على الخروج، لكن على ماي وحكومتها الاستجابة لمقترحات الاتحاد الأوروبي بمقترحات قوية ومفصلة بالمثل. ----------------- *كاتب روسي مقيم في برلين --------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»