يرَوّج الإعلام القطري لقضية يجب الحسم فيها، لأنها تحمل إفكاً مبيناً، وهو أن الدول المقاطعة للدوحة على خلفية مواقفها، ومنها دعمها للإرهاب، تهدف من وراء ذلك إلى نزع سيادة قطر، وهي بذلك تجعل البعد الوطني لجهة تحقيق المصالح نقيضاً للبعد الخليجي، ومن يكونُ مبلغه من العلم ما يسمعه من إشاعات حول مظالم إقليمية، خليجية تحديداً ضد قطر، يعتقد أن ما يجري اليوم من مقاطعة هدفه جعلها تابعة، وغير ذات سيادة ولا صاحبة قرار، ولو كان الأمر على هذا النحو فعلاً، لما استمرَّت الدول المقاطعة منذ سنوات في مطالبتها بالعدول عن مواقفها التي مسّت بشكل مباشر مصالح تلك الدول مُجْتَمِعَة ومُتفرِّقة. ليس هناك أحد في الوطن العربي كله، بمنْ فيهم قادة الدول المقاطعة وشعوبها، راضٍ على الوضعية التي آلت إليها الأمور بالصيغة التي نعيشها اليوم، ولكن أيضاً غالبية الناس ممن تعرف أنها ستعرض على الله لا تخفى منها خافية ترضى أن تكون السيادة مساوية للفتنة وسفك الدماء والتخريب، وقيام نظام رسمي معترف بدعم الجماعات المعارضة للدول، وقطر منذ سنوات اختارت أن تكون في صف من يخرقون سفينة الوطن العربي حتى تغرق. وبغض النظر عن سوء النوايا أو حسنها، فقد كانت قطر فاعلاً أساسياً في جريان الدم في تونس ومصر، وبوجه خاص في ليبيا وسوريا.. صحيح أنها لم تكن وحدها، ولكنها كانت ولا تزال مصرة على دعم كل من يُشْعِل الفتنة داخل الدول العربية، وعلى العلماء الذين يدعمون الموقف القطري الرسمي مثلما دعموها حين انطلقت الانتفاضات العربية، ودَعَوْا جهاراً إلى قتل رؤساء وقادة عرب أن يتذكروا أنهم يُسهمون في إطالة عمر الأزمة، وهم بذلك لا يرعون حدود لله، كما لا يولون اهتماماً للإصلاح بين المختلفين. الأزمة الراهنة التي تسبَّبت فيها قطر ذات طابع سياسي، وحلها لن يكون إلا سياسياً، وبمشاركة أطراف تحظى بالثقة من الدول المقاطعة، وليست جهات ذات مصالح متناقضة أو متعارضة مع دول المنطقة، غير أن كونها سياسية لا يحول دون أن نوظف كل الوسائل حتى تخرج قطر من ضيق الغي إلى سعة الرشد، وأن تجنح إلى سِلْمٍ يعمُّ المنطقة وباقي الدول العربية، وأن لا تتحمل حكم التاريخ على أنها تسببت في أزمة مدمرة لأهلها ولجيرانها وأمتها، ولنا في السيرة النبوية ما يجعلنا نحتكم معها إلى كلمة سواء، لنصل إلى موقف حسم نحو تحقيق مصير مشترك، بعيداً عن الهوى والمكاسب الضيقة والتحالفات غير الدائمة، والمناورات مع الغير ستحيل قطر إلى دولة عديمة السيادة، وما التعاون العسكري مع تركيا أو مع غيرها إلا دليلاً على ذلك. وإذا كانت قطر لا تزال مُصِرَّةً على دعم الإخوان المسلمين، فلتسأل فقهاءَهَم: ما موقفهم من الحديث النبوي الذي نص على عدم السماح بخرق السفينة، كما جاء في كُتب السيرة على النحو التالي:«عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :«مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا».. أليس ما تقوم به قطر ومن والاها هو خرق لسفينة الأمة؟.. فهل من مُنْقذ؟!. خالد عمر بن ققه* (*) كاتب وصحفي جزائري