يشير مصطلح شيخوخة أو تشيخ المجتمعات إلى ارتفاع متوسط أعمار أفراد المجتمع، نتيجة انخفاض معدل الخصوبة، وبالترافق مع ارتفاع مؤمل العمر أو الحياة. بمعنى؛ أن نسبة المواليد الجدد تنخفض تدريجياً بمرور الوقت، بالترافق مع استمرار المسنين في الحياة لفترات وعقود أطول، نتيجة انخفاض الوفيات بينهم، وهو ما يعرف بالتحول الديموغرافي (Demographic Transition)، من مجتمع شاب إلى مجتمع مسن. وتتعرض تقريباً جميع الدول، وغالبية المجتمعات البشرية الحالية، لهذا التحول الديموغرافي، باستثناء 18 دولة فقط يوصفون بأنهم (خارجون عن الديموغرافيا). وهو ما دفع بمتوسط أعمار أفراد الجنس البشري، وبأعداد المسنين حالياً، إلى مستويات هي الأعلى في التاريخ على الإطلاق. فمنذ عقد الخمسينيات تضاعف عدد من تخطوا عقد الستين، ليصل إلى 600 مليون عام 2000، ولأكثر من 700 مليون عام 2006، مع التوقع أن يصل عدد كبار السن إلى أكثر من مليارين بحلول عام 2050، أي بعد ثلاثة عقود تقريباً. ومما لا شك فيه أن مثل هذا التحول، وما يؤدي إليه من شيخوخة مجتمعية، يحمل في طياته تبعات عدة. فعلى المستوى الاقتصادي، ستنخفض نسبة المنتجين اقتصادياً في المجتمع من مجمل القوى العاملة، وهو ما سيضع عبئاً أكبر على شباب المجتمع المنتجين، والذين سيتحتم عليهم دفع معدلات أكبر من الضرائب، لتمويل الخدمات الاجتماعية والصحية للمسنين. وعلى الصعيد الصحي، ستؤدي أيضاً هذه الشيخوخة المجتمعية إلى أعباء على نظم الرعاية الصحية، ستتطلب تمويلاً أكبر، وإعادة تصميم وهندسة هذه النظم نتيجة اختلاف طبيعة الأمراض التي تصيب المسنين، وخصوصاً ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة. ومؤخراً ظهرت تبعات يمكن أن توصف بأنها صحية-اجتماعية، تجسدت في تزايد ظاهرة سوء معاملة المسنين داخل العديد من المجتمعات. هذه الحقيقة المؤسفة أكدتها دراسة نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات العلمية المرموقة المتخصصة في الصحة الدولية (Lancet Global Health)، وأظهرت أن 16 في المئة ممن تخطوا سن الستين، أو واحد من كل ستة، يتعرض للاستغلال وسوء المعاملة، وهو ما يترجم إلى أكثر من 140 مليون شخص. وتنوعت وتعددت أشكال الاستغلال وسوء المعاملة، حسب التالي: 11.6 في المئة يتعرضون للأذى النفسي، 6.8 في المئة يتعرضون للاستغلال المالي، 4.2 في المئة يتعرضون للإهمال، 2.6 في المئة للأذى البدني، 0.9 في المئة للاستغلال الجنسي. وتوصل الباحثون القائمون على هذه الدراسة إلى تلك المعدلات والنسب بالاعتماد على نتائج 52 دراسة سابقة، أجريت في 28 دولة حول العالم، منهم 12 دولة فقيرة ومتوسطة الدخل. وتُعرّف إساءة معاملة المسنين على أنها أي فعل –أو لا فعل- يتسبب في ضرر، أو ألم، أو بؤس، أو تعاسة، أو شقاء، أو أي شيء من هذا القبيل، لشخص مسن، من قبل شخص آخر، تربطه به علاقة ما. ورغم أن أي شكل من أشكال إساءة المعاملة يمكن أن يكون له تبعات سلبية على صحة المسن وعلى راحته ورفاهيته، فإن الأذى النفسي يعتبر هو الأكثر شيوعاً، بما في ذلك الناتج عن سلوكيات تُحقر من المسن، وتقلل من قيمته أمام نفسه وأمام الآخرين، بما في ذلك السب، والإحراج، والإهانة، والاستخفاف، أو إتلاف متعلقاتهم وممتلكاتهم الشخصية، ومنعهم من رؤية أصدقائهم وباقي أفراد العائلة. ويعتبر أيضاً سوء استعمال هذه المتعلقات والممتلكات الشخصية، وإهدار مال المسن، من أشكال الاستغلال المادي وإساءة المعاملة. أما الإهمال فيتضمن التقاعس أو الفشل في تلبية احتياجات المسن الأساسية، مثل الطعام، والمسكن، والملبس، والرعاية الصحية. وكما تتنوع وتتعدد أشكال سوء معاملة المسنين، تتنوع وتتعدد أيضاً التبعات السلبية الناتجة عنها، بما في ذلك الإصابات البدنية، والألم النفسي، والاكتئاب، والتوتر والقلق المزمنين. هذه التبعات تؤدي بدورها إلى زيادة اعتماد المسن على خدمات الطوارئ، والاحتياج للحجز في المستشفيات لمرات عدة، ولفترات أطول، وربما حتى الوفاة في النهاية. وبالنظر إلى حقيقة أن عدد المسنين سيتخطى المليارين في غضون حياة جيل واحد، وبناء على أن عشرات الملايين منهم يتعرضون حالياً بالفعل للاستغلال وإساءة المعاملة، يصبح من الضروري والحتمي اتخاذ الإجراءات والتدابير، وسن القوانين والتشريعات، الكفيلة أن لا يتعرض أحد منا لأية شكل من أشكال الاستغلال أو الإهانة أو الإساءة النفسية أو البدنية، وأن نحظى جميعاً بالاحترام، والتقدير، وحسن المعاملة، خلال سنوات خريف العمر.