جاءت أحداث الخليج العربي الأخيرة لكي تغطي على العديد من أحداث العالم العربي الأخرى المشتعلة، خاصة ما يحدث في اليمن والعراق وليبيا وسوريا. ويبدو أن الكارثة السورية تتفاعل بوتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة نتيجة للتراكمات التي مرت بها منذ اندلاعها. ونظام «البعث» منذ توليه السلطة عام 1970 اقترف أمرين شنيعين قادا سوريا إلى ما هي عليه الآن من مآسٍ هما: عدم العدالة في المطلق، والفوضى في الإدارة، لكن عدم العدالة التي اقترفها هي جرائم ضد الإنسانية، فقد قتل مئات الآلاف من السوريين منذ أن أشعل فتيل الحرب الأهلية عام 2012، وشرد الملايين منهم داخل وخارج البلاد، وتسبب في عدم الاستقرار الإقليمي الذي تشهده المنطقة العربية وجوارها الجغرافي. لذلك فإن زواله كنظام حاكم مطلوب بإلحاح من الجميع ماعدا روسيا وإيران و«حزب الله» اللبناني. هذه الحقيقة المنشودة تطرح السؤال المحير: ماهو البديل الذي يمكن له أن يقود سوريا والسوريين إلى بر الأمان بعد زوال حكم «البعث»؟ إن المجتمع الدولي يواجه حقيقة موجعة، فرحيل «البعث» ورئيسه عن سدة الحكم لن يؤدي بالضرورة إلى استقرار الأوضاع أو تحسنها عند هذا المنعطف الخطير. سوريا الآن في فوضى عارمة كبرى، ورحيل «البعث» ورئيسه من السلطة سيؤدي حتماً إلى تعميق وتكريس هذه الفوضى. الواقعية السياسية لما هو جار في سوريا تفرض على المتعامل مع الأوضاع أن يكون عقلانياً، وألا يفترض أن لا تصبح الأمور أكثر سوءاً، فالأقلية «العلوية-البعثية» لديها قوى متنفذة في المجتمع من العصابات الإجرامية التي تسندها إيران و«حزب الله» وفلول من الحشد الشعبي العراقي، وهي تسيطر على العديد من الأعماق الداخلية لسوريا أكثر من أي أمراء حرب آخرين. ومن وجهة نظر شخصية هذه في مجملها معطيات سلبية يضاف إليها درجة الفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية الناشئة عن انهيار الدولة وضعف الحكومة وانهيار المجتمع وسفك الدماء الذي تقترفه الجماعات المسلحة المتطرفة والإرهابية التي تعمل في تلك البيئة كـ«داعش» و«القاعدة» و«النصرة» و«الإخوان» وغيرهم الكثير. المخيف في الأمر أن رحيل النظام (البعثي العلوي) ورئيسه عوضاً عن أن يؤدي إلى السلام قد يؤدي إلى زيادة استقواء نفوذ أولئك الذين يسعون إلى السيطرة والقفز نحو سدة الحكم والتفوق المطلق، فمن يقولون عن أنفسهم الآن بأنهم ثوار، والجماعات المسلحة بكل ألوانها وأطيافها لن يلقوا بأسلحتهم جانباً بسرعة على ضوء رحيل النظام، وقد يحدث العكس تماماً لأنه ستصبح لديهم أسباب أكبر للبقاء وهم يقاتلون من أجل تحقيق أكبر قدر من المصالح الشخصية الممكنة، وهنا تكمن الطامة الكبرى، فالعاصمة دمشق في ظل ظروف كهذه يمكن أن تهوي بسرعة إلى ما آلت إليه حلب أو غيرها من جحيم إنساني غير محتمل، مع كون الجماعات المسلحة تتقاتل على ما تبقى من أشلاء ما كان في يوماً يعرف بسوريا. وقبل التفكير في إزاحة «البعث» و«العلويين» ورئيسهم من السلطة على المجتمع الدولي تكوين تحالف عسكري - سياسي من خلال آلياته القانونية المتاحة، فثلاثي (البعث - العلويين - بشار الأسد) هو الدولة السورية أو ما تبقى منها حتى الآن. ففي جميع الأحوال على أية قوة خارجية تعمل بشكل مفتوح على إزالة النظام أن تضطلع بمسؤوليات قانونية وأخلاقية وسياسية لما سيحدث من تداعيات رهيبة قد تشمل التطهير العرقي الانتقام والسحل ضد فئات متعددة من المجتمع، وبالتأكيد سيحاول المتطرفون إقامة دولتهم «الجهادية». ولأن جميع ذلك معروف لكن دون التصريح به علانية، فإن السياسة الواقعية المتماسكة تم الابتعاد عنها كثيراً في سوريا. صحيح أن أمور السياسة لا تحتاج إلى صراحة معلنة دائماً، لكن التصريحات العلنية والأهداف الحقيقية تحتاج فعلاً إلى أن تكون محايدة إلى حد ما، لكن لمدة طويلة لم يكن الأمر كذلك في سوريا. د.عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي