بدأت ملامح التوتر والارتباك القطري تظهر للعيان منذ بداية المقاطعة الخليجية لجار «السوء» الذي شذ عن العائلة الخليجية وراح يلهث وراء الأحلام الفارسية والعثمانية طلباً للتقرب منهم، وسعياً للتشبث والتمسح بعتباتهم. ولكن هل تفرض السياسة واقعاً مغايراً على المنطقة في ظل «العقوق» القطري، وتسليم مفاتيح السلطة القطرية بأيدي أعداء العرب التاريخيين؟ في حقيقة الأمر أن الخسارة القطرية وصلت إلى منتهاها، ولا أعني هنا الخسائر الاقتصادية فقط، وإنما الخسائر السياسية المتتالية أيضاً التي أطاحت بقطر، وجعلت العرب يفقدون ثقتهم فيها وفي عهودها وتصرفاتها وممارساتها طيلة الـ20 سنة الماضية. ومن الغريب أن جميع الانقلابات التاريخية في قطر كانت من الابن على الأب، إلا أنه في ظل القطيعة هذه فإن الانقلاب الباطني في هذه المرة كان بشكل مغاير للمعتاد هناك، ففي المرة الأولى يتم تسجيل حالة انقلاب باطني غير ظاهر من الأب حمد على ابنه تميم. فمن بداية الأزمة القطرية وحتى الآن يبدو أن صاحب القرار رجع للظهور مرة أخرى على الشاشة القطرية، وفاحت ريحته في الطبخة السياسية التي تعد في قطر بدءاً من اختلاق الأزمة عبر بث تصريح باسم أمير البلاد وادعاء«الفبركة»، مروراً برفض الامتثال للشرعية الخليجية والعربية والدولية ووصف المطالبات الخليجية بأنها غير «واقعية»، وكأن الواقعية في نظر نظام الدوحة هي أن تستمر قطر في دعم الإرهاب، وتواصل العمل على تقويض أمن واستقرار الدول الخليجية والعربية الأخرى! وكما يعرف الجميع فحينما تنحى حمد بن خليفة عن الحكم لم يكن الهدف من ذلك «تسليم السلطة للجيل الجديد»، كما روجوا يومذاك، وإنما كان هروب المجبر من فشل سياسي ومواقف كادت تنهي قطر بمواقفها ودعمها للجماعات الإرهابية في ليبيا ومصر وتونس واليمن. فكان الحل الذي رأوا حينها أن من الممكن أن يسكت الأفواه، ويلفت النظر عن تلك المواقف المنبوذة دولياً، هو التغيير في حكم البلاد، والتخلي عن الكرسي لصالح أحد أبنائه، حتى تعيد دول المنطقة والعالم ثقتها في قطر، وترجع العلاقات معها كما كانت دون محاكمات أو محاسبات حفاظاً على أواصر الدم العربي. ولكن سارت الأمور في اتجاه آخر، الآن أصبحت قطر «الابن غير الشرعي» للنظام الإيراني، أي أنها ستكون الابن المكلف بنشر الفوضى وبث عدم الاستقرار وتنفيذ الأجندات الفارسية، ولكن بصورة ظاهرية وأمام الملأ ومن دون استحياء. والأمر الأخطر الذي لم يدركه القطريون أن الإيرانيين سينكرون «تبنيهم» للقطريين بعد انتهاء مهامهم، أو متى ما شعروا بفشلهم في تنفيذ المطلوب منهم، وهذا هو مصير كل من يتآمر ضد أمته، ويسعى لخدمة أجندات خصومها. إن الدول الخليجية لجأت إلى المقاطعة بعد أن تيقنت بأنه لا فائدة من الاتفاقية التي تمت في عام 2014، وقد تعهدت فيها قطر بأن تراعي حقوق الجيران وعدم اللعب بالنيران، وبأن تكف ضررها وأذاها عن الآخرين، إلا أنها أخفقت في الاستجابة لتلك المطالب المشروعة وتلك التعهدات الموثقة، ولم تستطع الالتزام والوفاء بالعهود والعقود لأنها تعمل وفقاً لسياسة السعي للتخريب والتفتيت التي بدأ مشوارها في عام 1995 ضد المنطقة وشعوبها. وكثيراً ما تتعالى الأصوات القطرية بالاستهزاء من قضية الجزر الإماراتية، التي تحتلها إيران منذ 1971، وقد وقع عدد من الشهداء الإماراتيين الأبرار دفاعاً عنها وحماية للأراضي العربية، وقد واصلت الإمارات وفقاً للأعراف الدولية المطالبة بحقها في الجزر الثلاث وسنستردها كاملة طال الزمن أم قصر، إلا أن القطريين سلموا جزيرتهم «قطر» بأكملها للإيرانيين من دون مقاومة أو مساومة، وعليهم أن يدركوا أن الخطر الإيراني قادم إليهم لطالما أنهم سلموا بلادهم إليهم.