هناك عنصر لم يلتفت إليه أحد في التوافق التشريعي الذي سمح للكونجرس بأن يدعم الاتفاق النووي مع إيران دون أن يصدق عليه كمعاهدة. وهذا العنصر يتمثل في بند من «قانون مراجعة صفقة إيران النووية» يلزم وزير الخارجية بأن يشهد أمام الكونجرس كل 90 يوماً بالتزام إيران بالاتفاق النووي الذي يعرف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة». وهذا البند في التشريع قد يوفر أداة لبداية، على الأقل، لخروج أميركي من الاتفاق النووي الإيراني. وحتى الآن، شهدت إدارة ترامب على مضض بالتزام إيران مرتين. ولكن الرئيس أشار إلى أنه يود الانسحاب من الصفقة. ويوم الاثنين الماضي، في كلمة بمعهد «أميركان إنتربرايز» البحثي، أوضحت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي طريقة يستطيع بها ترامب الانسحاب حتى لو كانت إيران تلبي فعلياً شروط اتفاق «خطة العمل». وفي إشارة إلى الشهادة كل 90 يوماً، قالت هالي «القانون يطالب الرئيس بأن يشهد على عدة أمور وليس أمراً واحداً. والأول هو أن إيران لم تنتهك مادياً الاتفاق. وهذا هو الأمر الذي يركز عليه الجميع». ومضت تقول إن القانون يطالب أيضاً «الرئيس بأن يشهد بأن تعليق العقوبات ضد إيران ملائم ومتناسب مع إجراءات إيران النووية، وأنه مسألة حيوية لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة». وهذا يمنح الرئيس المرونة إذا أراد البدء في عملية الخروج من الصفقة. وبسبب الطريقة التي كُتب بها القانون، يستطيع ترامب أن يسحب الثقة من إيران حتى لو قررت دوائر الاستخبارات الأميركية أن طهران ملتزمة بحدود الاتفاق فيما يتعلق بمخزونات اليورانيوم منخفض التخصيب وما زالت تسمح بدخول المراقبين إلى مواقعها النووية المعلنة. وتستطيع إدارة ترامب، على سبيل المثال، الإشارة إلى اختبار إيران لصواريخ بالستية باعتباره انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي الذي دعم الصفقة النووية المبرمة في عام 2015. وخطة العمل نفسها ليست واضحة في قضايا الصواريخ بينما قرار مجلس الأمن يحظرها. ويستطيع ترامب أيضاً أن يقرر أن الصفقة نفسها ليست في المصلحة القومية بسبب الثغرات الموجودة في بنيتها. وبين عامي 2025 و2030، ينتهي العمل بالبنود المحورية في الصفقة التي صاغتها إيران والولايات المتحدة وخمس دول عظمى أخرى. وبانتهاء المدة سيكون بمقدور إيران إقامة أي عدد يروقها من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وتخصيب أي قدر تريده من اليورانيوم منخفض التخصيب. ويستطيع ترامب أن يعلن أن الأمر لا يستحق هذه المغامرة. وقد أنارت كلمة هالي يوم الاثنين الماضي الطريق إلى سحب الثقة من إيران إذا رأى الرئيس الأميركي هذا ضرورياً. وركزت على العيوب الهيكلية في الصفقة النووية، مشيرة إلى أنه لا توجد حالياً خطوات وسيطة للعقاب على الغش الإيراني أو السلوك غير النووي الآخر الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة. وصرحت هالي بأن الإيرانيين «يعولون على أن العالم يتغاضى عن المخالفات الصغيرة، بل والمخالفات الكبيرة نسبياً. ويعولون على أن اهتمام الولايات المتحدة والأطراف الأخرى بنجاح الصفقة كبير إلى درجة تجعلهم يتغاضون عن الغش الإيراني». وهالي محقة بشأن الثغرات الكثيرة في الاتفاق النووي. فحين ذهبت الشهر الماضي إلى جنيف للاجتماع في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمناقشة تفتيش المواقع العسكرية الإيرانية والمنشآت النووية غير المعلنة المشتبه بها، رد الزعماء الإيرانيون على طلبها بالتأكيد على أن المفتشين لن يُسمح لهم بزيارة المنشآت العسكرية. وفي الوقت نفسه، يرى عدد من الخبراء أن الصفقة جيدة على رغم ما فيها من عيوب، لأنها تسمح بشفافية بشأن برنامج إيران النووي وتحافظ على انخفاض مخزونات اليورانيوم منخفض التخصيب. وأظهر ترامب، حتى الآن، عدم موافقته. وكاد يتجاهل كبار مستشاريه في المرة السابقة التي تعين عليه فيها الشهادة بالتزام إيران ولكنه تراجع في الدقيقة الأخيرة. وما لم يتم الإقرار بإذعان إيران، يستطيع ترامب الحصول على أفضل الممكن، أي أن يستطيع إقناع أنصاره بأنه حافظ على وعد حملته الانتخابية بأن يجعل وزير خارجيته ريكس تيلرسون يعلن عدم التزام إيران، دون أن يقضي على الاتفاق بل يضع الأمر في أيدي الكونجرس فحسب. وفي هذه المرحلة يستطيع المشرعون أن يصوتوا بشأن إعادة فرض العقوبات الثانوية التي تصيب الاقتصاد الإيراني بشلل وتفصل إيران فعلياً عن الاقتصاد العالمي. ولكن الحال قد لا ينتهي بالمشرعين إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة أيضاً. وإذا فرض الكونجرس هذه العقوبات من جديد فمن حق إيران أن تطرد المفتشين وتستأنف برنامجها النووي على نطاق كبير. وحتى الآن لم يقل ترامب ولا الكونجرس ما الذي يتعين فعله في مثل هذه الظروف. إيلي ليك كاتب وصحفي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»