د.عبدالله جمعة الحاج* يبدو بأن العناصر التي تشكلها الأزمة القطرية الداخلية الحالية تتفاعل مع بعضها بعضا بشكل لايخلو من مخرجات تثير الاشمئزاز بوضوح لايمكن لنا كمراقبين أن نقول فيه شيئا كثيراً خاصة بالنسبة لدور "الإخوان" في التسبب في هذه الأزمة، فهم الآن يدخلون في سبات عميق حولها، وصوت عرابهم يوسف القرضاوي خافت جداً هذه الأيام، ولم يعد يخرج إلى الملأ بفتاويه التي ما أنزل الله بها من سلطان في صالح "الخلفاء الجدد". وهنا يبدو لنا الأمر وكأن "الإخوان" مختبئون لكي لا يكون لهم نصيب في المغارم التي تدفعها قطر في أزمتها الحالية، ويكتفون بالمغانم التي كسبوها سابقاً، وينتظرون المزيد منها بعد أن تنتهي الأزمة الحالية. لقد قلصوا ظهورهم العلني وتخلصوا من التكاليف والأعباء والتداعيات والتبعات الإعلامية والمادية والنفسية، وابقوا على مصالحهم الأخرى في هدوء عجيب وربما أنهم ضمنوا علاقاتهم الحميمية والودية مع المسيطرين على الأوضاع السياسية ويقومون بتنميتها في صمت من خلال إسداء النصح والمشورة لهم من وراء الستار، وفي الكواليس الخافية على الشعب القطري، مع التأكيد على أن تلك النصائح ليست في صالح قطر وأهلها جملة وتفصيلا. وفي الوقت نفسه إيران ساعية إلى تحقيق مغانمها الكبرى من أزمة قطر الداخلية، فها هي تغرق السوق القطري ببضائعها من كل صنف ونوع فاتحة لنفسها سوقاً إقليمية قائمة على طرف واحد ليس له بدائل كثيرة، وهي سوق لم يكن الإيرانيون يحلمون بها في يوم من الأيام. وعادت إيران إلى الصيد في المياه العكرة من خلال تدخلاتها البغيضة في مملكة البحرين الشقيقة والعزف على وتر الفرقة الطائفية والمذهبية فيها، وتجديد مطالبها المزعجة غير القائمة على أي نوع من أنواع الحق سوى الباطل والإفتراء، ومن خلال تعزيز احتلالها لجزر دولة الإمارات العربية المتحدة الثلاث أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى. وبالتأكيد أن إيران تحاول بشتى الوسائل أن تعزز صلتها بمن يسيطرون على الأمور في قطر، الذين قاموا بالخروج عن الصف الخليجي مجدداً بإصرار عن طريق اعادة سفيرهم إلى طهران مجددا. ومن خلال هذا الجسر القطري الجديد تحقق إيران العديد من أهدافها كاملة، فها هي قد تمكنت من شق الصف الخليجي، وها هي تسعى بكل جهد لتحقيق مايمكن لها تحقيقه عن طريق إبقاء الأبواب مشرعة على مصراعيها لفعل كل ما تريده في العالم العربي مستقبلا. وهذه المساعي الإيرانية في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي لا تخلو من لؤم طائفي ملحوظ، فعن طريق دس أنفها في الشأن القطري هي تريد أيضاً أن تسحب البساط من تحت أقدام جماعة "الإخوان" التي هي جماعة لاتلتقي فكرياً ومذهبياً مع آيات الله الإيرانيين، وذلك عن طريق زرع الشقاق المستقبلي بين من يسيطرون على الأمور حالياً في قطر وبين قيادات الجماعة المتواجدين في الدوحة. وربما أن هذا مايدفع هذه القيادات حالياً، سواء في قطر أو في خارجها إلى الصمت رغبة في عدم التصادم مع الإيرانيين في هذه المرحلة من مسار الأزمة القطرية، وكأنهم يتمنون على إيران الابقاء على آرائها ومواقفها لكي يتمكنوا هم من تحقيق أغراض الجماعة في صمت بعيدا عن المصالح الوطنية لقطر وشعبها، فعدم عودة قطر إلى حضنها الخليجي هدف مشترك تلتقي فيه إيران مع "الإخوان". أما بالنسبة للرغبة الشعبية القطرية في التغيير السياسي وعودة بلادهم إلى محيطها الحاضن الحقيقي وتحسن الأوضاع المعيشية والأمنية فهو العنصر الوحيد الذي لم يتحقق بعد من تداعيات الأزمة الحالية، ولايزال الشعب القطري خاسرا فيه من التفاعلات الحاصلة، لذلك فهو يبقى العنصر الوحيد الذي يجب أن تبث فيه الروح مستقبلا، وما يتم على صعيده من خطوات ربما تحتاج إلى مايزيل عنها حالة الركود التي هي عليها الآن، وتبقى الأمور في صالح من يسيطرون على الأوضاع حالياً و"الإخوان" الذين يدعمونهم، وفوق كل هذا وذاك في صالح إيران. أما بقية فئات الشعب القطري الأخرى الأصيلة جميعها، فإنها تبقى محرومة من كل شيء ومغيبة عن كل شيء. *كاتب إماراتي