أعلنت المجموعة الدولية لتنسيق إمدادات التطعيمات، عن عزمها تخصيص 900 ألف لقاح ضد الكوليرا من المخزون الدولي، لغرض وقاية لاجئي «الروهينجا» الفارين من الاضطهاد الديني والعرقي في «ميانمار» -بورما سابقاً- ومنع انتشار المرض بينهم، وبين أفراد المجتمعات التي حطوا عليها حديثاً في منطقة «كوكس بازار» الحدودية. ويأتي قرار المجموعة هذا، على خلفية طلب رسمي من الحكومة البنجلاديشية في 27 من شهر سبتمبر، وهو الطلب الذي تمت الموافقة عليه في غضون 24 ساعة من قبل الأطراف المعنية المندرجة تحت مظلة المجموعة، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، ومنظمة أطباء بلا حدود، واليونيسيف، والاتحاد الدولي للصليب الأحمر. ويعتزم أطراف المجموعة، وبدعم من التحالف الدولي للتطعيمات (Vaccine Alliance)، إيصال 900 ألف جرعة إلى موقع الأحداث في غضون أسبوعين، على أن تبدأ حملات التطعيم خلال الشهر الجاري. ويعتبر حجم وسرعة استجابة المجموعة الدولية خطوة بالغة الأهمية، إذا كان للمجتمع الدولي أن يمنع كارثة صحية مشابهة، وربما أعظم وقعاً، من الكارثة التي تسبب، ولا زال يتسبب فيها، ميكروب الكوليرا في اليمن منذ نهاية العام الماضي. والكوليرا مرض معدٍ، تسببه بكتيريا تعيش في الظروف الطبيعية عند مصبات الأنهار، وتنتقل هذه البكتيريا إلى الشخص السليم عن طريق مياه الشرب الملوثة، أو الخضراوات أو الفواكه الملوثة ببقايا براز شخص مريض. وتنتج تأثيرات الكوليرا على الجسم البشري ليس من البكتيريا مباشرة، وإنما من سمومها التي تؤدي إلى فشل خلايا الأمعاء في امتصاص السوائل، وهو ما يظهر على شكل إسهال شديد، يؤدي إلى جفاف، ودخول المريض في غيبوبة. وتبدأ أعراض الكوليرا في الظهور بعد ساعات قليلة من الإصابة، وإذا لم يتم استبدال السوائل المفقودة من الجسم على وجه السرعة يمكن أن يلقى المريض حتفه في غضون أيام قليلة. وعلى عكس ما يعتقد كثيرون لا يمكن اعتبار الكوليرا مرضاً تاريخياً من أمراض العصور الوسطى، بل هو مرض حي يرزق يوجد بيننا حالياً، ما زال البشر يدفعون ثمنه فادحاً حتى يومنا هذا، حيث تظهر الإحصائيات الحديثة إصابة ما بين ثلاثة ملايين إلى خمسة ملايين شخص حول العالم بميكروب الكوليرا كل عام، يلقى منهم 120 ألفاً تقريباً حتفهم. وعلى رغم أن استخدام تقنيات تنقية مياه الشرب، وخصوصاً إضافة مادة الكولورين، قد نجح بشكل هائل في خفض معدلات الإصابة، وخصوصاً في الدول الغنية والمتقدمة، فإن الظاهرة الحديثة لعولمة الأمراض لا زالت تسمح لميكروب الكوليرا بالاستمرار في البقاء. ومؤخراً عاد ميكروب الكوليرا ليطل برأسه القبيح، حيث انتشر وباء من المرض في اليمن بداية من شهر أكتوبر الماضي، وخصوصاً في العاصمة صنعاء، بسبب تردي نظام الصرف الصحي وتلوث مياه الشرب. وحسب آخر التقارير، تقدر إصابة أكثر من 600 ألف حالة مؤكدة، مع 600 ألف حالة أخرى مشتبه فيها، نتجت عنها بضعة آلاف من الوفيات. وجدير بالذكر أن المجموعة الدولية لتنسيق إمدادات التطعيمات (The International Coordinating Group on Vaccine Provision)، كانت قد أُسست عام 1997 بعد تكرار وقوع أوبئة واسعة النطاق في عدد من الدول الأفريقية من ميكروب مرض التهاب السحايا -الأغشية المبطنة للمخ- والمعروف أيضاً بالحمى الشوكية. وتهدف المجموعة إلى تنسيق إدارة إمدادات التطعيمات الطبية والمضادات الحيوية للدول التي يتعرض سكانها لأوبئة طارئة من الأمراض المعدية الخطيرة. وتعمل المجموعة بالتنسيق مع منتجي التطعيمات الطبية، بما في ذلك الشركات متعددة الجنسيات، والمراكز الطبية البحثية، والجهات الحكومية، من خلال منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف، مع المراقبة الدائمة والمستمرة للمخزون الدولي من تطعيمات أمراض الكوليرا، والحمى الشوكية، والحمى الصفراء، للتأكد من توفر مخزون كافٍ في جميع الأوقات، لتحقيق الاستجابة السريعة والفعالة، عند ظهور أوبئة خطيرة من أي من تلك الأمراض. وأما التحالف الدولي للتطعيمات والمعروف اختصاراً بـ«جافي»، الذي أسس عام 2000، فهو شراكة دولية بين القطاعين العام والخاص، تهدف إلى زيادة مدى ونطاق توفر التطعيمات الطبية بأنواعها المختلفة للدول الفقيرة والمناطق النائية. ويشارك في هذا التحالف عدد من أطراف المجموعة الدولية لتنسيق إمدادات التطعيمات، مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، وتعتبر مؤسسة «بيل وميلندا جيتس» الخيرية من أكبر المتبرعين لهذا التحالف، حيث تبرعت المؤسسة حتى الآن لهذا التحالف بأكثر من 1.5 مليار دولار أو ما يزيد على 5.5 مليار درهم.