أظهرت تحقيقات أجراها الكونجرس ووزارة العدل، بالإضافة للتحقيقات الصحفية خلال العام الماضي، تورط روسيا بانتهاكات ضخمة للسيادة الوطنية للولايات المتحدة. ولم يتم ارتكاب هذه الانتهاكات عن طريق اختراق الحدود الطبيعية أو الجغرافية، بل عن طريق اقتحام العديد من الحدود الافتراضية. وحتى تتمكن من التأثير على نزاهة الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتصدي لدعاة إثارة الشكوك حول أساليب ممارستنا للديموقراطية، يجب أن نشير إلى أن الخبراء الروس ارتكبوا الانتهاكات التالية: (1) سرقوا معلوماتنا ونشروها، (2) جنّدوا وسائل إعلامهم للتأثير على الناخبين الأميركيين، (3) بادروا لشراء المساحات الإعلانية والدعائية على موقع فيسبوك، (4) جنّدوا جيشاً من المدوّنين والكتّاب لترويج الآراء المغرضة والأخبار الملفقة، (5) زوّدوا حملة ترامب الانتخابية بمعلومات كاذبة تحطّ من السمعة السياسية للمرشحة هيلاري كلينتون، (6) قاموا باختراق أجهزة الكمبيوتر والشبكات التي نستخدمها في إحصاء عدد أصوات الناخبين. وهذه المعلومات كنا نعرفها منذ زمن بعيد، لكن التحقيقات المتعلقة بالقضية لم تكتمل بعد. وإذا أكد التشخيص الاستقصائي المتواصل حتى الآن أن التدخل الروسي في تزايد من حيث مداه ودقته، يمكن القول إن «الوصفة الأمنية» المضادة له، والتي يمكن أن تصون سيادتنا وأمننا وحياتنا السياسية اليومية وانتخاباتنا المقبلة، تأخرت كثيراً، وربما لم يبدأ إعدادها بعد على النحو المطلوب. وقبل أيام قليلة أطلق الرئيس ترامب تغريدة على موقع «تويتر» قال فيها: «إن الخدعة الروسية تتواصل». وأشار إلى أن الجهود الأمنية الحقيقية لحماية ناخبينا من التدخل الخارجي تكاد تساوي الصفر. ويجب أن يتغير هذا الواقع الآن. وربما كان من الواضح أكثر من أي شيء آخر، أن أمننا الافتراضي يتطلب المزيد من التحصين. ونحن نحتاج للتعلّم أكثر حول طرق التصدي للهجمات الافتراضية. وهذا يتطلب المزيد من التنسيق بين الطبقات المختلفة للدوائر المهتمة بالأمن الافتراضي على مستوى الأفراد والوكالات والمجموعات، وعلى مستوى التعليمات الحكومية التي يتم تحديثها في هذا المجال، والتي تشمل كل ما له علاقة بالعملية الانتخابية. ويجب أن يمثل «الردع» أحد وسائلنا في التصدي لهذه الهجمات. ويمكن أن يتم ذلك عبر الاتصال المباشر مع الكرملين وبقية الحكومات المعنية لتحذيرها من أننا بصدد اتخاذ الإجراءات المناسبة على الصعيدين الافتراضي والواقعي لو تكررت الهجمات الافتراضية على نظامنا الانتخابي. وقبل بلوغ حالة استعادة الثقة بأمننا الافتراضي، على الولايات أن تعمل على جمع نتائج الاستفتاءات الورقية حتى تتأكد من صحة الإحصائيات المتعلقة بعدد الأصوات ودرجة تطابقها مع الأرقام الافتراضية. وتكمن الخطوة الثانية في ضرورة فضح الممارسات الروسية عن طريق نشر المعلومات المتعلقة بالدعايات المغرضة التي يروّجها الروس وعملاؤهم وتعريف الشعب الأميركي بها. وعلى متابعي قناة «روسيا اليوم» عبر «يوتيوب» ومتابعي حساب «سبوتنيك» عبر «تويتر»، أن يعلموا بأن الحكومة الروسية تعمل على تقديم المحتوى الإعلامي الذي يضمن تحقيق الأهداف التي يخطط لها الكرملين ويسعى لتنفيذها. ويمكن تحقيق ذلك بطريقتين: أن تتولى الجهات الفاعلة الخاصة ومنصات التواصل الاجتماعي التعريف بهذه القنوات وفضح دورها، وأن تفرض الحكومة الأميركية على هذه القنوات الأجنبية تسجيل نفسها حتى تلزمها بالانصياع لـ«قانون تسجيل العملاء الأجانب». وتكمن المشكلة التي ينطوي عليها هذا القانون في التساؤل التالي: إذا كان لا يُفرض على السيناتور السابق بوب دول أن يسجل نفسه في قائمة العملاء الأجانب، لأنه أطلق ذات مرة حملة لتأييد الحكومة الديمقراطية المؤيدة لأميركا في تايوان، فلماذا يتحتم على موظفي قناة «روسيا اليوم» أن يسجلوا أنفسهم ضمن هذه القوائم في الولايات المتحدة؟ هناك أيضاً أسباب قوية تدعو للاعتقاد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يرد على هذا الإجراء بسلوك انتقامي يفرض من خلاله على الإعلاميين الأجانب تسجيل أنفسهم كموظفين أجانب يعملون داخل روسيا أو أن يمنع دخولهم إلى روسيا تماماً. ورغم كل ذلك، لا يمكننا السماح لبوتين بتعريضنا للخطر بممارساته الهادفة لمنعنا من ممارسة حياتنا بطريقة صحيحة. ومن الضروري أيضاً اتخاذ إجراء حاسم يمنع الأجانب من شراء المساحات الإعلانية للتأثير على سير الانتخابات الأميركية. ومثلما يُمنع على الأجانب تقديم المساعدات للمرشحين الأميركيين للانتخابات، يتعين منعهم أيضاً من العمل على دعم الأحزاب. ولابدّ من وضع القوانين الملزمة للشركات الأميركية للعمل على وقف هذه النشاطات الأجنبية. ولابدّ أيضاً من اتخاذ إجراءات عقابية في أميركا ضد كل جهة أميركية تتواطأ مع الروس أو غيرهم من الأجانب للتأثير على سير انتخاباتنا. وإذا كانت القوانين النافذة الآن لا تشير بوضوح إلى اعتبار التواطؤ مع الأجانب جريمة وطنية، فمن الواجب تشريع القوانين الرادعة لمثل هذه النشاطات مستقبلا. وقد فاز ترامب بملايين الأصوات الانتخابية دون أي مساعدة خارجية. ورغم هذه الحقيقة، فمن العسير غضّ الطرف عن تأثير النشاطات الروسية على سير الانتخابات الرئاسية لعام 2016. رغم صعوبة تحديدها بدقة، لأن عوامل عديدة تضافرت لتحقيق الانتصار المفاجئ لترامب. وحتى لو كان التدخل الأجنبي في الانتخابات الأميركية قد حقق فيها تأثيراً لا يكاد يُذكر، فإنه يعتبر انتهاكاً للسيادة الأميركية. وما لم نتبنا استراتيجية شاملة لمنع التدخلات الافتراضية في شؤوننا فلابدّ أن يتكرر حدوثها مستقبلا. ------------------- *مستشار سابق للرئيس أوباما وسفير أميركا في موسكو سابقاً ------------------------------------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نوز سيرفس»