لعل من أكثر القضايا التي تواجه المجتمعات الإسلامية منذ سنوات، هي مسألة تعدد مصادر الفتوى والآراء الشرعية، حتى سادت مع تطور وسائل الإعلام، وخاصة التواصل الاجتماعي والفضائيات، حالة من الفوضى غير المسبوقة في الفتوى، ربما منذ ظهور الإسلام قبل ما يزيد على 1400 عام، وقد تسببت ظاهرة الانفلات هذه في بروز مظاهر مجتمعية متعددة سلبية، بل أخطرها، ومن بينها التطرف الذي عادة ما يقود إلى الإرهاب الذي تسبب في عنف وصراعات مذهبية وطائفية في العديد من بلدان العالم الإسلامي، ومن ثم كانت هناك دائماً حاجة ملحة إلى وجود مصادر معتمدة للفتوى الشرعية. وقد أدركت قيادتنا الرشيدة منذ عهد الوالد المؤسس المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أهمية وجود مثل هذه المؤسسات المختصة، فعملت على إنشاء هيئات تتمتع بالاستقلالية ورفدتها بأفضل العلماء من مختلف البلاد الإسلامية حتى تؤدي واجبها على أكمل وجه. وقد نجحت هذه الهيئات إلى حد كبير في تحقيق المقاصد من إقامتها، حيث أصبحت مراجع للفتوى والأحكام الشرعية، ليس داخل الدولة فقط، ولكن خارجها أيضاً. واستمراراً لهذا النهج، فقد حرصت الدولة على أن يكون هناك مجلس موحد للإمارات كلها يكون مرجعاً للفتوى على مستوى الدولة. ومن هنا جاء إصدار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قرار مجلس الوزراء رقم (31) لسنة 2017، بشأن إنشاء مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، وذلك بهدف إيجاد مرجعية واحدة ومعتمدة للإفتاء وتوحيدها وضبطها وتنظيمها في دولة الإمارات العربية المتحدة. إن إنشاء مجلس موحد للفتوى يتبع مجلس الوزراء مباشرة، على درجة كبيرة من الأهمية لاعتبارات عدة، من بينها: أولاً، يعد هذا الأمر ضرورة فردية ومجتمعية ملحة لأنه يتعلق بحياة الناس والمجتمع على حد سواء، ويمس عباداتهم وعلاقاتهم بربهم وتعاملاتهم المختلفة. ثانياً، يأتي القرار في الوقت المناسب بالفعل، حيث تمر منطقتنا بظروف يصعب فيها أحياناً كثيرة، الحصول على الفتوى أو استقاء الآراء الشرعية من مصادرها الموثوق بها، بسبب تصدر الكثير من غير أهل العلم والاختصاص، حيث تتناثر الفتاوى في كل مكان وتصل إلى الناس من دون رقيب أو حسيب، وخاصة في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما جعل الكثير من المسلمين يعيشون في حيرة من أمرهم، ليس فقط في تسيير معاملاتهم، بل حتى في تأدية عباداتهم وشعائر دينهم، ومن ثم فإن وجود هذا المجلس يعني أن هناك مرجعية واحدة معتمدة لتنظيم الإفتاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما سيحد بالتأكيد من ظاهرة تعدد الفتاوى، ويحميها من أي انحراف أو شطط. ثالثاً، إن ضبط الفتوى وتوحيد مصدرها يظهر حقيقة الدين الإسلامي وسماحته ومرونته ومواكبة الأمور والقضايا والمسائل المستجدة في حياة الناس من خلال المختصين من أصحاب العلم الشرعي والخبرة في الدولة، وبما يحفظ تماسك المجتمع ويصون عقيدته النقية. رابعاً، أن وجود مجلس موحد للفتوى والآراء الشرعية سيحد من دون شك من ظاهرة الاختلافات التي تؤدي أحياناً إلى الشقاق والفرقة، ويقضي على حالة البلبلة التي تسود بسبب تباين الآراء الفقهية وتعدد مصادرها. ولهذا كله، فإن وجود مجلس موحد للإفتاء الشرعي في الدولة سيساعد على تحصين المجتمع بفئاته كلها ويحميه من الآراء والأفكار المتطرفة، ويعزز من تماسكه ويحقق مصالحه، كما يحمي معتقداته ويمكن أفراده من ممارسة عباداتهم بكل وضوح، كما يبصرهم بحقوقهم وواجباتهم الشرعية، وكل ما يحتاجون إليه في تسيير أمور حياتهم وفقاً لتعاليم الإسلام الحقيقية، ومن ثم يمارس حياته اليومية وهو مطمئن إلى أنه ملتزم أحكام الدين السمحة، بما يحقق مرضاة الله عز وجل. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية