اليوم السادس من أكتوبر تحل الذكرى الـ44 لنصر العرب في حرب عام 1973، واليوم في تمام الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت القاهرة تتوهج ساعة الصفر التي انطلقت فيها آلاف المدافع ومئات الطائرات على جبهتي سيناء والجولان، تمهيداً للهجوم البري من جانب قوات المشاة والمدرعات. إنها لحظة كان القادة العرب يترقبون حدوثها بقلق بالغ، فقد كان الخوف كل الخوف أن تنتبه المخابرات الإسرائيلية إلى أن تجمع الحشود المصرية والسورية يعني أن العرب قد اتخذوا قرارهم بالحرب، بعد أن رفضت الحكومة الإسرائيلية التجاوب مع دعوات السلام. كان الخوف منصباً على تكرار ما حدث في حرب 1967 عندما احتشدت القوات المصرية في سيناء وفاجأتنا إسرائيل بتوجيه ضربة إجهاضية بالطيران لقواتنا فدمرت المطارات والطائرات المصرية وهي على الأرض وسيطرت بذلك على مسار المعركة البرية من الجو. من أجل تفادي هذا الاحتمال تم تصميم خطة الخداع الاستراتيجي المصرية التي هدفت إلى تجنب الضربة الإجهاضية بسلسلة من العمليات التضليلية التي تزرع في عقل المخابرات الإسرائيلية مفهوم أن العرب غير قادرين على القتال وأن أي حشود عسكرية يقومون بها هي مناورات تستهدف امتصاص القلق الداخلي في الجيوش العربية. وفي صباح السادس من أكتوبر استيقظ الرئيس السادات مركزاً على سؤال واحد هو: هل علم العدو أننا اتخذنا قرار الهجوم أم أنه ما زال يظن أن الحشود العسكرية مجرد مناورات؟ وجاءته الإجابة من خلال تقرير للمخابرات العسكرية المصرية لتقول: نعم لقد عرف العدو. تصورا ما جال بذهن الرئيس السادات عندما قرأ الفقرات التالية من تقرير مخابراته صباح السادس من أكتوبر: الفقرة الأولى: ظهرت ردود فعل العدو بصورة واضحة حيث نشط استطلاعه واستدعى الاحتياط ورصدت بعض مظاهر التعبئة العامة، هذا مع تدعيم الجبهة المصرية والسورية والأردنية بالقوات ووسائل الدفاع الجوي والقوات الجوية ومن المنتظر أن يقوم العدو باستكمال التعبئة العامة. وفي الفقرة الثانية حول القوات البرية، جاء ما يلي: رصد للعدو تجمع قوة 2 لواء، أحدهما مشاة في منطقة بئر السبع. رصد للعدو تجمع قوة 2 لواء غير مميز شمال إيلات. دعم العدو نقاطه القوية في جنوب سيناء مع احتمال تدعيم القطاع الشمالي لجبهة القناة بلواء تم رصده لاسلكياً. جرى تنشيط للدوريات والكمائن ونقاط الملاحظة ليلا ونهاراً. وفي الفقرة الثالثة حول القوات البحرية جاء ما يلي: جرى نشر القوات البحرية في موانئ العدو بالبحر الأبيض. حدث تكثيف لعمليات التأمين البحري والدوريات البحرية، خاصة في منطقة خليج السويس والعقبة. تم دعم رادارات الإنذار البحرية، خاصة في خليج السويس. وجاء في الفقرة الرابعة حول القوات الجوية ما يلي: تقرر وقف الطيران المدني الداخلي والخارجي في إسرائيل اعتباراً من الجمعة 5 أكتوبر وحتى غروب 6 أكتوبر. جرى تنشيط الاستطلاع الجوي الإلكتروني وبالتصوير للجبهة المصرية والسورية. تم دعم مواقع صواريخ الهوك في سيناء بعدد 2 موقع (إجمالي المواقع الآن 15 موقعاً). أما الفقرة الخامسة والحاسمة فكانت بعنوان التعليق، وتضمنت رأي وتقديرات المخابرات المصرية، وفيها تقول: واضح من نشاطات العدو وإجراءاته المختلفة أنه يتوقع نوايا هجومية من جانب كل من مصر وسوريا. ومن المتوقع استدعاء الاحتياط واستكمال التعبئة الشاملة قبل يوم 7 أكتوبر. وتعتبر القوات الجوية الإسرائيلية في الوقت الحالي جاهزة ومستعدة لتنفيذ مهام العمليات. لقد وضع السادات خطاً تحت العبارة الأخيرة من الفقرة الخامسة، وتجسد أمامه خطر قيام سلاح الجو الإسرائيلي بتوجيه ضربة إجهاضية للقوات المصرية والسورية. كانت الصورة بهذا الشكل تنذر باحتمال توجيه ضربة إجهاضية لقواتنا من الجو، غير أن الساعات مرت من دون أن يحدث هذا إلى أن انطلق الهجوم المصري والسوري. إذا فحصنا الموقف في إسرائيل سنجد أن خطة الخداع الاستراتيجي المصرية عوقت القيادات الإسرائيلية عن اتخاذ قرار بتوجيه الضربة الإجهاضية. وكان وزير الدفاع موشيه ديان ورئيس المخابرات العسكرية يرجحان أن الحشود مجرد مناورات أو أنها تعبر عن تخوف من جانب سوريا ومصر من التعرض لهجوم مبيت من جانب إسرائيل. لهذا فضل الرجلان، ومعهما جولدا مئير رئيسة الوزراء، طمأنة المصريين والسوريين، وذلك بإخطار الولايات المتحدة بأن إسرائيل لا تنوي الهجوم لتبلغه واشنطن لموسكو والقاهرة ودمشق. العام الماضي قال الجنرال زعيرا، رئيس المخابرات الإسرائيلية خلال الحرب: «إن المصريين يستحقون وساماً على خطة الخداع الاستراتيجي».